فهيد البصيري

مع أنني أختلف تماما مع الأخ الذي أثار موضوع البيعة والخلافة، إلا أنني استغرب، تلك الهوجة أو الموجة المتطرفة وكأن المسكين قد صبأ، مع أن كل ما قاله هو أنه لا يوجد خليفة لكي تصح البيعة!

وهذا الأخ وغيره ممن يبحثون عن خليفة لهم، ليسوا ثوارا ولا حتى مفكرين، بل لم يأتوا بجديد، وما قالوه مكتوب بأحرف من نور في كتب التراث الإسلامي، والتي نتدارسها ونُدرسها لأولادنا في حلقات الذكر في كل زمان ومكان.

وأحاديث البيعة، والخلافة، وغيرها، جزء أصيل من معتقداتنا، بل وركن من أركان الإسلام لدى بعض فرق المسلمين، فلماذا الزعل؟

والخلاف على حق الخلافة ليس ابن اليوم بل بدأ مع بدء الإسلام، وبعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة وقبل دفنه! وكان الخلاف في البداية خلافا سياسيا، وسار به الزمن حتى تحول إلى خلاف عقائدي والحمد لله، وتفرق المسلمون بسببه إلى فرق وأحزاب، وكلنا في النار إلا واحدة! ومع ذلك، كل حزب بما لديهم فرحون.

لذلك ما نراه اليوم من فرقة وحرقة بين المسلمين، كله بسبب فكرة الحق في الخلافة، وبالعربي تعني الحق في الرياسة، ولكن المعضلة الكبيرة في الموضوع أن هذه الرياسة أو الخلافة كما يفهمها رجال الدين، لا تقوم على الديموقراطية بل تقوم وتستند على الكتب التراثية، والتي تزخر بما لذ وطاب من الأحاديث عن الخلافة وأحوالها، ومن محاسن هذه الكتب أنها تتيح لك أن تختار ما تشاء وأنت مرتاح الضمير نقي الإيمان، حتى أصبح رجل الدين هذه الأيام كالحاوي يفصل لك الحق في الرياسة كما تريد، فكل شيء موجود! وقد انتبه المسلمون الأوائل لهذه المشكلة، وحاولوا غربلة هذا التراث الضخم، وصححوا ونقحوا (وفحطوا)، ولكن الإمكانات متواضعة والقدرات محدودة، وبقي جزء كبير من تراثنا دون دراسة أو تنقيح، ومع الزمن اكتسب هذا الجزء نصيبه من القداسة، فخفنا منه وأقفلنا باب الاجتهاد، وبقينا على حالنا، ولكن الخلاف لم يبق على حاله بل استمر وتطور، وغاص المسلمون في دراسة الكتب التراثية، وكلما غاصوا أخرجوا لنا فرقة إسلامية جديدة، حتى انتهينا إلى الحشاشين، وجماعة التكفير والهجرة، والقاعدة، وداعش، ولن تنتهي القصة، ولن يتوقف الخلاف، وسنستمر بتخريج دفعات محسنة من المتطرفين إلى يوم الدين، لأننا لا نختلف حول الدين ولكننا نتصارع على الرياسة، ولكن بسلاح الدين!
&