عزة السبيعي

كتب يهودي شارك في نصرة الشعب الفلسطيني لوحة فيها: من يطلب من "حماس" ألا ترسل صواريخها، هو مثل من يطلب من امرأة ألا تصفع مغتصبها. اختصر الحقيقة التي ينكرها بعضنا وهو ممدد على أريكته يشاهد البرامج الساخرة

&


غنى جون لينون ذات يوم أغنية عنوانها بالعربية، تخيل كتبها متأثراً بحزن زوجته اليابانية على أخيها قتيل حرب ما. في الأغنية يدعو جون لينون لترك الحروب، بأن يمنح مستمعه فرصة أن يتخيل أنه لا شيء يستحق أن تقاتل لأجله، لا الوطن، ولا الدين، ولا حتى المبادئ.


لكنه جون لينون ابن بريطانيا العظمى التي احتلت في ماضيها العالم، ولم تُحتل، وقاومها الناس ولم تقاوم، لم يوضع جدار فصل في ليفربول مدينته، فيمد يده تحت جدار الفصل ليمس طرف إصبع أمه، أو يتعرض للرفس والدهس وهو ذاهب للمدرسة، ولم ينزع أحد ـ وهو يضحك ـ أشجار الزيتون التي زرعها جد جده.


من المضحك أن نحدد لهؤلاء المظلومين خياراتهم، لمجرد أن مناظر الدماء التي تسيل أصلا ـ قاوم أم لم يقاوم ـ تزعج راحتنا في العالم الآمن.


كتب يهودي حر شارك مع أحرار العالم في نصرة الشعب الفلسطيني لوحة فيها: من يطلب من "حماس" ألا ترسل صواريخها، هو مثل من يطلب من امرأة ألا تصفع مغتصبها. في الواقع اختصر الحقيقة التي ينكرها بعضنا وهو ممدد على أريكته يشاهد البرامج الساخرة في رمضان.


العرب لا يتذكرون تاريخهم، السيء منه والجيد، وإلا لتذكروا أن ما تفعله المقاومة في فلسطين اليوم فعله المصريون بعد 67 فيما يسمى بحرب الاستزاف.


لقد خرجت مصر من 67 كتلة من الهزيمة، خالية الوفاض من الرجال والسلاح، وخرجت إسرائيل تجر خلفها غزة والضفة الغربية وسيناء مكبلة ومقيدة، وفخر كل إسرائيلي يتحدث العالم عنه وهم يشيرون إلى الجيش الذي لا يقهر و"خط بارليف" الذي سيدفن المصريين قبل أن يتجاوزوه .


لكن الفدائي المصري قرر أن المعركة لم تنته، ولا زال هناك فصل آخر، فظل يكر ويفر وتغضب إسرائيل وتهجم هجمة هي أخت هجماتها اليوم، تستهدف بها الأطفال لتبث الحزن والأسى، ويرضى المصريون بالهزيمة الأولى، لكن ذلك لم يكن واردا حتى وهم يرون أشلاء أطفال مدرسة بحر البقر.


قام المثقفون المصريون والعرب بدورهم الحقيقي، دور كله شريف، ونشروا للعالم المآسي التي تخلفها هجمات إسرائيل، فسارت مظاهرات في العالم أجمع ـ كما يحدث اليوم ـ تشارك العرب استنكارهم وتدعو إسرائيل لكف يدها عن الأطفال، وامتد هذا التأثير السلبي على المجتمع الإسرائيلي وجنود جيشه، وبعد ثلاث سنوات وقف الجندي المصري على "خط بارليف"، ليذهل العالم كيف استيقظ المارد المهزوم؟
اليوم في غزة، لم يحتج أبناء فلسطين لوكالات الأنباء الكاذبة، ولا مثقفي العرب الذين يجاهرون بدعوة إسرائيل للتنكيل بالمقاومة، وكل فلسطين مقاومة فأي جزء تريد بتره؟


"تويتر، و"فيس بوك"، وشبكات التواصل، منحت الأنين الفلسطيني فرصة ليسمعه العالم، فيهب لنصرته ويخرج كل شرفائه متوشحين بعلم فلسطين، ملوكا وأمراء ونوابا بالبرلمانات، وليس ذلك فقط تعاطفا شعبيا سيمر كغيره، بل أقوى، فها هو جورج جالوي يصرخ في الجموع أمام السفارة الإسرائيلية في لندن: هذه الحكومة تساعد الإسرائيليين على قتل الأطفال فلا تعودوا لانتخابها، فيصرخ الإنجليز مؤيدين، والسياسة في هذه البلاد لا تقوم إلا على أصوات الشعوب.
إن بشارات حرب الاستنزاف الغزاوية بدأت تهل علينا، فها هو مطار تل أبيب يقفل لأول مرة، وتسقط حكاية القبة الكرتونية، ويموت جنود إسرائيل، ويلف العالم موجة غضب مستنكرة حتى من اليهود أنفسهم.


الغريب أن لهذه الحرب فائدة أخرى ربما أدركها متابعو إرهابيي داعش الذين قاموا بإحراق العلم الفلسطيني، ليكتشف الكثيرون زيف دعواتهم، فأي جهاد لا يمر بفلسطين، وأي مجاهد يمزق علم فلسطين الحبيب، إلا إذا كان منافقا أشر، ولقد كانت ردات فعل الشباب على المقطع غاضبة، مما يثلج الصدر، ولعل المعلمين والمعلمات والآباء والأمهات يعرضون المشهد على أبنائهم ليصل إلى أكبر عدد من أبناء هذه الأمة المبتلاة بالإرهاب من داعش والقاعدة.
من ناحية أخرى، هذه المقاومة وبصواريخها التي يسميها البعض عبثية، لا تكتفي من تعليمنا نحن العرب والمسلمين، فرغم الحصار ورغم المدارس المهدمة، صنع شبابها صواريخ تسقط في عمق تل أبيب وطائرات بلا طيار فأي رجال هؤلاء؟
دعوني أقول: إنهم لا يحتاجون منا سوى مساندة خيارهم في المقاومة، وأن نكون سفراء ننقل للعالم ما يحدث لهم وليباركهم الله وحده.
&