& سليمان عبد المنعم

&

&

&

لا تمّل إسرائيل من الزعم بأنها تمارس حقها فى الدفاع عن النفس بمناسبة كل عدوان تقوم به على الشعب الفلسطيني.

&


المطلوب أن نخلّص هذا الزعم من تسويقه السياسى والإعلامى بالاحتكام إلى المعايير القانونية الدولية. هنا نكتشف أكذوبة وزيف مقولة الدفاع عن النفس التى تتمترس خلفها اسرائيل. ولست أقصد فقط بهذه المعايير ميثاق الأمم المتحدة أو اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملاحقها أو النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. بل أقصد أيضاً الممارسات التى ارتضاها وطبقها المجتمع الدولى بالفعل فى المحاكمات والقضايا التى أعقبت الحرب العالمية الثانية سواء بإدانة مرتكبى جرائم هذه الحرب او بتعويض ضحاياها.

&

تزعم إسرائيل أنها تدافع عن نفسها ناسية أنها بحسب التكييف القانونى (سلطة احتلال). فكيف لمن احتل (بفتح التاء) أن يدافع عن نفسه فى مواجهة من احتل (بضم التاء)؟ هذا سؤال كان يجب توجيهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كى مون وهو يدين مقاومة سلطة احتلال دون أن يقدم التعزية فى اغتيال أكثر من مائة طفل فلسطيني. وما هو رأى السيد بان كى فى مقاومة شعبه الكورى ضد الاحتلال اليابانى لبلاده فى القرن الماضي؟ نحن أمام مغالطة كبرى تحاول إسرائيل أن تصدّرها للعالم بدأب ودهاء. إن كون إسرائيل بحسب التكييف القانونى سلطة احتلال يمنح بالضرورة وبالمنطق القانونى ذاته للفلسطينيين حقاً مشروعاً ودائماً فى مقاومة هذا الاحتلال الذى لم يعرف سوى المراوغة والتسويف ونكث العهود فى كل مفاوضات أجراها مع الفلسطينيين.

&

بوسع إسرائيل أن تزعم (كالعادة) بأنها فى إتفاقية أوسلو قد منحت الفلسطينيين فى الضفة الغربية وغزة سلطة الحكم الذاتى لكنها ستكذب وتراوغ وتخلط الأوراق (كالعادة أيضاً) حين يُطرح سؤال وماذا عن مفاوضات الوضع النهائى التى تتهرب منها حتى كاد أن يطويها النسيان ولماذا لم تف بالالتزامات التى وقّعت عليها فى اتفاقية أوسلو؟ هذا يعنى أن اتفاقية أوسلو لم تغير بصفة نهائية حتى اللحظة واقع كون إسرائيل سلطة احتلال. والواقع أن إسرائيل ليست وحدها التى تنسى كونها سلطة احتلال، كثير من الدول الغربية التى عانت ويلات الغزو والاحتلال إبّان الحرب العالمية الثانية تناست بدورها حق المقاومة المشروعة. تنسى دول أوروبية اليوم حق المقاومة المشروعة الذى طالما رأت فيه بالأمس معنى وطنياً وأخلاقياً وهى تمجّده فى شجاعة وفخر ضد الاحتلال الألمانى لباريس ووارسو وضد قصف الطيران على لندن.

&

وجه آخر للكذب والزيف فى المغالطة الإسرائيلية بممارسة حق الدفاع عن النفس. فالمنطق القانونى للدفاع عن النفس (وهو مفهوم تعرفه النظم القانونية المحلية والقانون الدولى على حد سواء) يشترط ابتداء أن يكون الدفاع عن النفس موجهاً لدرء عدوان غير مشروع فى ذاته. ولا يمكن أن توصف هجمات المقاومة الفلسطينية بأنها عدوان غير مشروع ليس فقط لأنها تستخدم حقها فى مقاومة سلطة احتلال بل أيضاً وعلى وجه الخصوص لانها هى التى تتعرض لعدوان سابق على هجماتها ويتمثل فى ممارسة الحصار البحرى عليها من جانب إسرائيل. والحصار البحرى وفقاً لقرار الجمعية العامة للأم المتحدة رقم 3314 (29 د) بتاريخ 14 ديسمبر 1947 هو عمل من أعمال العدوان. وقد تبنى هذا القرار المؤتمر الاستعراضى لنظام المحكمة الجنائية الدولية المنعقد فى أوغندا فى عام 2010. يترتب على اعتبار الحصار البحرى عملاً من أعمال العدوان الإقرار بمشروعية الدفاع عن النفس للشعب الخاضع لهذا الحصار.

&

ينسى أو يتناسى البعض أن كل الأطراف الفلسطينية (مقاومة وسلطة حكم ذاتي) قد ضجوا بالشكوى دون جدوى من جراء الإخلال الاسرائيلى لاتفاقية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. هذا ملف مؤلم منسى ومهمل وسط انشغالات العالم ومراوغة إسرائيل التى لا تنتهي. نكثت إسرائيل (مثل ديدنها دائماً) بالتزامها بالإفراج عنهم بل وقامت بغطرسة باعتقال من سبق لها الإفراج عنهم من الأسرى وكأنها كانت تبيت النية لذلك من قبل. نسى العالم سريعاً أن جريمة (حرق) طفل فلسطينى كانت سابقة على أحداث غزة. فى ظل كل هذه الظروف والملابسات السؤال هو كيف يتحوّل الضحيّة الخاضع للاحتلال والحصار والامتهان إلى معتدٍ؟ وباسم أى منطق يصبح المعتدى والمحتل والمحاصر (بكسر الصاد) هو المدافع عن نفسه؟ هذه مغالطة من جانب الحكومات الغربية تخون بها قيم الحرية والكرامة والعدل وحقوق الإنسان التى هى القيم التى تأسست عليها الحضارة الغربية.

&

فى الزعم الإسرائيلى بالدفاع عن النفس مغالطة فادحة أخرى. فالدفاع عن النفس لا يصح إلا بشرط التناسب بين فعل الدفاع وفعل العدوان. فإذا افترضنا جدلاً (لمجرد الإيضاح) أن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد هجمات وصواريخ المقاومة الفلسطينية فأين هم التناسب بين صواريخ المقاومة المتواضعة تدميرياً وتكنولوجياً باعتراف إسرائيل نفسها وبين قصفٍ لطائرات إف 16 وأباتشى تجاوز ضحاياه حتى اللحظة ال 700 شهيد نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء ؟ أين التناسب بين هجمات فلسطينية تستهدف القوات العسكرية الإسرائيلية (بدليل أن كل ضحاياها هم من العسكريين) وبين قصف إسرائيلى بحرى وجوى يستهدف تجمعات مدنية آهلة بما فى ذلك المستشفيات فيما أسفر عن (مذابح) بالمفهوم القانونى المتعارف عليه فى جرائم الحرب؟

&

فالزعم الإسرائيلى بالدفاع عن النفس أكذوبة سياسية وتضليل قانوني. وفى زمن الأكاذيب والضلالات تنزوى الحقائق وتلوذ الضمائر بالصمت.

&