الأميرة هيا بنت الحسين

&

بعد أكثر من أسبوعين من القتال الدائر بين حركة «حماس» وإسرائيل، ليس ثمة شك بشأن الطرف صاحب اليد العليا في المعركة. وقد أدى مقتل أطفال فلسطينيين في الهجوم على إحدى المدارس، التي تديرها الأمم المتحدة، إلى زيادة حصيلة القتلى بين الفلسطينيين إلى أكثر من 760 شخصاً. وفي هذه الأثناء، بلغ إجمالي عدد القتلى الإسرائيليين 35 شخصاً، من بينهم عامل تايلاندي في إسرائيل. وقد كان جميع القتلى الإسرائيليين جنوداً، باستثناء ثلاثة أشخاص. بينما تقدر الأمم المتحدة أن 70 في المئة من القتلى الفلسطينيين مدنيون، من بينهم زهاء 120 طفلاً، أي ما يصل إلى 16 في المئة من إجمالي الضحايا. وقد اضطر أكثر من 140 ألف فلسطيني إلى ترك منازلهم.

وقد أثبتت إسرائيل قوتها العسكرية، ولكن ما الهدف؟.. فقد أضرت أفعالها بسمعتها، وأسفرت عن شكاوى من استخدام القوة المفرطة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجعلت أي حديث عن السلام يبدو مضحكاً. ولن تكون نهاية اللعبة سوى استئناف لجولة أخرى من القتال، وسقوط مزيد من القتلى على الجانبين.


ولا يمكن لأية دولة أن تحقق الأمن على حساب جيرانها. ولا يمكن لأي شخص في الشرق الأوسط اليوم أن يحقق السلام من خلال التفوق العسكري أو ممارسة الهيمنة على الدول المجاورة. كما أن السعي إلى تحقيق الأمن عن طريق الوسائل العسكرية وحدها يعتبر انهزامية، ولا يؤدي دائماً إلا إلى مزيد من العنف.

وما نحتاجه هو سياسة أمنية فعّالة غير عسكرية، مثل إعادة بناء اقتصاد غزة، إذ يمكن للتعاون ومنع الصراع والاستثمار الاقتصادي أن يسفر عن الأمن لكافة الأطراف في المنطقة، مثلما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن شأن هذه الأمور أن تحقق أمناً حقيقياً، بتكلفة أقل بكثير دون الخسائر المروعة في الأرواح البشرية التي نشاهدها اليوم، خصوصاً بين النساء والأطفال الأبرياء.

وقد كان والدي، الملك الراحل حسين الأول عاهل الأردن السابق، محقاً عندما قال إن السلام والاستقرار مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. وحتى قبل أعمال القصف الأخيرة، أدت التحكمات الأمنية الإسرائيلية إلى تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة، الذي يعتبر من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان على وجه الأرض.

ويعيش نحو 38 في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 1.8 مليون شخص في فقر مدقع. ويعتمد زهاء 80 في المئة منهم على بعض المساعدات الغذائية في سد رمقهم. بينما بلغت معدلات البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً 40 في المئة، ولا توجد مدارس أو مساكن كافية.

وتقول الأمم المتحدة إن هناك نقصاً يقدر بنحو 70 ألف وحدة سكنية بسبب النمو الطبيعي للسكان، إضافة إلى الضرر الذي سببه هجوم إسرائيل البري على غزة في ديسمبر 2008 واستمر حتى يناير 2009. وتوجد أجزاء كبيرة من القطاع الآن بلا كهرباء ومياه.

وليس ثمة شك في أن الهجوم العسكري الحاسم من قبل إسرائيل سيضعف «حماس» عسكرياً، على الأقل بصورة مؤقتة. وسيفضي أيضاً إلى مزيد من القتلى والجرحى الفلسطينيين أكثر من الخسائر الإسرائيلية. ولكن أي انتصار لإسرائيل في هذا الصراع هو هزيمة مدوية للسلام. ولا تحصد الدائرة الدامية غير المنتهية التي نشاهدها اليوم في قطاع غزة أرواح الأبرياء فحسب، وإنما تدمر بصورة منهجية الأمل في تسوية سلمية لواحد من أكثر النزاعات شراسة في العالم. بينما لن يحل السلام بالصواريخ والقنابل.

وقد كان والدي محقاً أيضاً عندما قال: «إن الانتصارات الحقيقية هي تلك التي تحمي حياة الإنسان، وليست التي تنتج عن تدميرها أو تنشأ من أطلالها». وقد آن الأوان كي يتوقف القتل.

------------

الأميرة هيا بنت الحسين

مبعوثة الأمم المتحدة للسلام منذ 2007

-------------

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»

&