طارق إبراهيم

يظن المتعاطفون مع دولة الاحتلال من عرب وعجم أن ظلم الشعب الفلسطيني وتهجيرهم واحتلال أرضهم والزج بهم في السجون وتعذيبهم وكسر أياديهم وحرق أجسادهم وارتكاب المجازر بحقهم، وتفجير منازلهم وهدم أحيائهم وقصف مدنهم وقلع أشجار زيتونهم وتهويد قدسهم وتشريدهم وأكل حقوقهم وتشويه سمعتهم وتجاهل مطالبهم وإغلاق الحدود في وجوههم ومحاصرة مدنهم والاستيلاء على أراضيهم، وتجاهل القرارات الدولية المتعلقة بهم، وتسفيه الانتقادات العالمية الموجهة لعدوهم، وتكاتف القوى المهيمنة ضدهم، يمكن أن تفرض واقعا بالقوة على هذا الشعب العظيم، يهد من حيله ويضعف من عزيمته، وينسيه حقوقه، ويدفعه للتنازل عن أحلامه، عن ترابه، عن وطنه، عن الحرية، عن الاستقلال، عن العزة والكرامة، لكن كل التجارب الماضية، كل الحروب، كل الاعتداءات، كل الهمجيات، بكل قساوتها وبطشها وكمية الدم المسال فيها، وحجم المآسي والحزن والقهر والظلم الناجم عنها لم تغير شيئا من ذلك الواقع الذي تظنه دولة الاحتلال وتحلم به.


فلا سلام، ولا أمن ولا أمان ولا استقرار، ولا اقتصاد معافى، وحالة بغض وعداء وكره واشمئزار تحاصر الدولة الغاصبة من كل جانب تزداد عاما بعد عام.


كان وجه رئيس الوزراء لهذه الدولة المحتلة وبقية مجلس حكومته المصغرة المعنية بمتابعة شؤون حربهم وعدوانهم الحالية على غزة في اللقطات المنقوله تلفزيونيا شاهدا حيا على حالة البؤس والقلق والضياع التي يعيشها هذا الشعب المعتدي، فرغم الفارق الهائل في القدرات بين الآلة العسكرية الإسرائيلية والآلة العسكرية الفلسطينية والتي تصب حتما لمصلحة المحتل إلا أن الأيام الماضية رغم قساوتها على سكان غزة أثبتت أن المحتل لم يتمكن حتى اللحظة من ضمان أمنه وسلامة شعبه وجنوده، وأن هذا الوضع الصعب الذي تمر به الدولة الصهيونية والذي سبب لها حرجا كبيرا أمام شعبها جراء الخسائر البشرية والمعنوية غير المعتادة في مثل هذه المواجهات ينبئ بأن بعض المعادلات بين الفريقين المعتدي والمعتدى عليه لم تعد كما اعتادها العدو، فرغم الحصار البري والبحري والجوي ورغم الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ الذي يعيشه سكان غزة تمكن بعضهم وبوسائل تقليدية متواضعة من إرباك الكيان الصهيوني وهزه وتشتيته، مما دفع جيشه المدجج بأقوى العتاد والسلاح أن يمارس أبشع صور الانتقام عبر قتل المدنيين بقصفهم بشكل مباشر حتى بات الطفل الفلسطيني المقطوع الرأس والمبقور البطن هو العنوان الأبرز في هذا العدوان الإسرائيلي.


ما أود قوله أن غزة لو انفك عنها الحصار فيكفيها عشر سنوات وحدها ليس معها إلا الله تعالى لتقضي على إسرائيل حيث ليس لدى هذه الدولة الباغية أي من مقومات البقاء والاستمرار، وموضوع القضاء عليها آت ولا مفر لها منه، إنما زوالها تأخر بسبب حال الأمة والجيران غير الجادين في عودة الأرض لأصحابها.


أما قراءة وتحليلات البعض منا للمواجهة الحالية بين سكان غزة وقوات الاحتلال على أنها مواجهة خاسرة، وأنها تصب في خانة إلقاء النفس إلى التهلكة فهو تحليل سطحي فضلا عن أنه يستند على مواقف فكرية أو عقائدية شخصية تجاه من يحمل حاليا لواء المواجهة مع الدولة الصهيونية.