محمد صلاح

تقرأ تعليق السيد خالد مشعل على المبادرة المصرية فتشعر وكأنه يعبّر عن موقفه من عزل محمد مرسي ومحاكمته. وتشاهد وتسمع حديث رئيس الوزراء التركي أردوغان عن دور مصر في أزمة قطاع غزة فتتلمس غضبه على إطاحة حكم «الإخوان المسلمين» في مصر والثورة ضد الجماعة. دعك من مواقف قطر أو ما يصدر عنها أو قناتها من سلوك، فالاعتقاد الراسخ لدى المصريين، على الأقل، أنها ليست مواقف مبدئية أو حتى تقوم على أسباب عقائدية وإنما سلوك سيتغير إذ تغيرت البوصلة الأميركية. القضية هنا أن ردود فعل بعض قادة «حماس» وزعماء حزب أردوغان الأتراك تقفز على المواضيع الرئيسية: العدوان الإسرائيلي على غزة، وأزمة القطاع، والقضية الفلسطينية. فالمهم لديهم الاصطياد والإساءة إلى الحكم في مصر بأي شكل، والانتقاص من الدور المصري على حساب الدم الفلسطيني، لعل الناس في مصر والعالم ينادون بعودة حكم «الإخوان» مرة أخرى!

&

أحياناً يكون أهم إنجاز وطني تقوم به أن تختفي لمدة، أو تصمت لفترة، لأن وجودك في حد ذاته هو المشكلة، طالما أنك فضلت الالتزام التنظيمي على المصلحة الوطنية، والانتماء الفكري على المشاعر الإنسانية، والارتباط العقائدي على المسؤولية التاريخية. ينطبق الأمر على رموز «حماس» وينسحب أيضاً على قادة ورموز الحركات الإسلامية التي انتشرت وتسربت وتشعبت في بعض البلدان العربية كنتاج لحرب أفغانستان، وما تلاها من حروب أبرزها الغزو الأميركي للعراق، وثورات أهمها «الربيع العربي»، وأحداث ضخمة كهجمات أيلول (سبتمبر)، وخطط جديدة كمشروع الشرق الأوسط الكبير، ووصول الديكتاتوريات العربية الى مرحلة «الخرف»، فكانت النتيجة جيلاً من الإسلاميين يفتخر بالذبح أمام العدسات، لديه تربة خصبة لإنتاج مزيد من «المجاهدين» بفعل عوامل الفقر أحياناً، أو التخلف في أحيان أخرى، بالتوازي مع تطورات سياسية أهمها تغييرات في العقلية الاستراتيجية الغربية نحو مهادنة المتطرفين أولاً ثم استخدامهم ثانياً بدلاً من مواجهتهم. كل ذلك تلاقى مع طموحات دول صغيرة، لكن غنية، تريد أن تلعب أدواراً تتجاوز قدرتها تاريخياً وسياسياً فاستخدمت المال لتقفز إلى واجهة الأحداث ثم تصنعها ثم تحركها.

&

تلك الحركات الإسلامية غير قطرية ولا تؤمن بمسألة الحدود، حتى وإن انحصر نشاط بعضها داخل دول بعينها، وتسيطر فكرة الأممية عليها و «الدولة الإسلامية» هي المرادف للوطن لديها، وبالتالي فإنها تناصر بعضها البعض من أجل إسقاط الحدود لتقيم دولتها الإسلامية أو لتوسعها. أفرزت الحالة عبر سنوات مواطناً «إسلامياً» ينتمي إلى دولة بالأساس لكن صارت عضويته في الجماعة أو التنظيم أو الحركة مصدر «إسلاميته»، وظهرت جماعات يعتقد كل عضو فيها أن مهمته هي أن يحمي الله، وانتشرت تنظيمات مشكلتها في مدى إيمان الآخرين والتحقق منه، تخلط بين الغاية والوسيلة وتستجيب للزعيم مهما كان طلبه، أو قل أمره، وتخلع ثوب الحق إرضاءً للمرشد.

&

«الإخوان» في مصر الآن يصورون أنه لو كان مرسي في المقعد الرئاسي الآن لمحا إسرائيل من الوجود، أو ألزم العرب بتوجيه جيوشهم لإنقاذ غزة وأهلها ثم تحرير القدس. لا تتصور أنهم سيغيرون ما في عقولهم حتى إذا قرأوا رسالة مرسي إلى رئيس الدولة العبرية لمناسبة تعيين سفير مصري جديد هناك، ونصها كالآتي:

&

«صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم لما لي من شديد الرغبة في أن أطور علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا، قد اخترت السيد السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل، ليكون سفيراً فوق العادة، ومفوضاً من قبلي لدى فخامتكم، وإن ما خبرته من إخلاصه وهمته، وما رأيته من مقدرته في المناصب العليا التي تقلدها، مما يجعل لي وطيد الرجاء في أن يكون النجاح نصيبه في تأدية المهمة التي عهدت إليه فيها. ولاعتمادي على غيرته، وعلى ما سيبذل من صادق الجهد، ليكون أهلاً لعطف فخامتكم وحسن تقديرها، أرجو من فخامتكم أن تتفضلوا فتحوطوه بتأييدكم، وتولوه رعايتكم، وتتلقوا منه بالقبول وتمام الثقة، ما يبلغه إليكم من جانبي، لا سيما إن كان لي الشرف بأن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة، ولبلادكم من الرغد. صديقكم الوفي، محمد مرسي، تحريراً بقصر الجمهورية بالقاهرة في 29 شعبان 1433».
&