يوسف الكويليت


أن يحدث انفجار في غزة أو الضفة الغربية نتيجة الحصار والتضييق، وحالات الفصل العنصري ثم مضاعفة أعداد السجناء، والقتل المتعمد الذي وصل إلى الأطفال، فالأمر طبيعي، لأن إسرائيل لم تترك الخيار لإنسان يواجه الموت جوعاً أو ببندقية مصوبة تجاهه، لكن الوسيلة هي الجريمة، فقد افتعلت إسرائيل خطف ثلاثة شبان من قبل فلسطينيين وقتلهم وتبين من خلال المحقق «كريستيان سيغرس» الذي قدم تقريراً صحفياً جريئاً أن قتل الشبان جاء على يد إسرائيليين، وأنها جريمة مدنية أخذتها إسرائيل ذريعة لنشر القتل والرعب والدمار في غزة، وقد ضاعت الحقيقة أمام التدليس في الجريمة..

لندع ما حدث ويحدث في مسلسل حروب إسرائيل، ونذهب إلى طبيعة تكوين منظمة التحرير التي ولدت واعترفت بها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وحصلت على تعاطف عالمي غير مسبوق، ومن خلال أحد عشر فصيلاً ولدت وقبل أن تولد حماس، وحركة الجهاد الإسلامي اللتان رفضتا الانضمام لعضويتها، وانسحاب الجبهة الشعبية منها الموالية أصلاً لسورية، والنتيجة معروفة ما قامت به قوات الأسد من تهجير وتدمير لمخيم اليرموك بدمشق الذي تحكمه الجبهة، وهنا يجري التساؤل، لماذا حالات الانشقاق لمجتمع يعيش تحت الحصار والبندقية، فقط كان التضامن لتلك الفصائل استمر مع عرفات فقط، والذي لا ننسى أنه قام بأخطاء كارثية منذ أيلول الأسود في الأردن ثم الدخول في الشبكة المعقدة في الحرب الأهلية اللبنانية، وما تلاها من محنة لشعبه، ثم تأييده غزو صدام للكويت، وهي التي ولدت فيها حركة فتح عندما كان عرفات يعمل مهندساً في وزارة الأشغال، ثم عند عودته من دول الخليج العربي، ونفض جيوبه أمام القذافي بأنه لم يحصل على فلس يدعم القضية الفلسطينية، وكانت آثار هذه الحماقات أن تعاملت الدول العربية التي أساء لها بالفصل بين شخصه وشعبه، ومع ذلك توفرت له الفرص التي عاندها ورفضها رغم اعترافه بإسرائيل مقابل اعترافها بمنظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني كنتاج لاتفاق أوسلو، ولكنها بقيت مجرد حبر على ورق، أمام تمدد المستوطنات في الضفة، وحشر غزة في محيطها الجغرافي.

النضال الفلسطيني عندما يأتي من أي فصيل، فهو مبارك عربياً وإسلامياً ومن المتعاطفين مع القضية، لكن الفارق ليس بمسمى النضال عندما يتخذ قرار أي عملية من قبل جهة واحدة فقط دون التنسيق مع الأخرى، وهذا ما حدث مع حماس، والتي تعددت ولاءاتها وتباعدها عن منظمة فتح والرئيس الفلسطيني..

إسرائيل بعد توقيع اتفاق الفصيلين هددت عباس بالخيار التعامل معها أو الذهاب لحماس، ولا ندري هل فهم الفلسطينيون الرسالة بأن أي وحدة لهم تراها إسرائيل تهديداً لأمنها، وما جرى من اعتداء على غزة، هو تنفيذ لذلك الإنذار لفصل الفريقين عن بعضهما أو تأزيم مواقفهما، غير أن ما كشفته الأحداث مضاعفة الرصيد الشعبي العربي للقضية رغم مآسي الشام والعراق وليبيا، بمعنى أن كل الأجيال لهذه الأمة لازالت تتفاعل مع إخوتها، ولم تنسَ وضع الأحوال العربية، هذا الرصيد كان من المفترض استغلاله كقوة دفع ليس أمام الحكومات العربية وحدها، وإنما مع إسرائيل وأمريكا وأوروبا، لكن ما هو مؤلم ما جاء من مراشقات وانتقادات لحماس سواء مواقفها مع مصر، أو حتى مع داعميها من الدول العربية، ثم سكوتها عن موقف إيران وحزب الله، وكشف ادعاءاتهما بمحو إسرائيل كما جاء على لسان المرشد ونجاد، أو خطب نصرالله النارية الممانع والمحرر لفلسطين..

لسنا في حال من يحاكم ما جرى بين القيادات الفلسطينية، ولكن أخذ العبرة من التجارب كان المفترض أن يكون الدرس الذي تبنى عليه استراتيجية أخرى تأخذ بعين الاعتبار كل الخطوات وقياسها على النتائج الإيجابية والسلبية..
&