عبدالحميد الأنصاري

امتنّ الله سبحانه على عرب قريش أهل مكة بنعمة هي أعظم نعمة، في 3 آيات، فقال عز وجل في محكم كتابه "وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقا مِنْ لَدُنَّا"، وقال سبحانه "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَما آمِنا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ"، وقال تعالى "لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"، كانت مكة تشكل "البلد الآمن" وسط محيط غير آمن، هذه كانت الحالة الأمنية لمكة وما حولها في الماضي.


فإذا انتقلنا إلى الحاضر لنقارن الحالة الأمنية لدول الخليج بما حولها، نجد حالة مشابهة، ألقِ نظرة على خريطة العالم العربي وتأمل المشهد العربي العام على امتداد الساحة من الخليج شرقاً إلى المغرب غرباً، ومن سورية والعراق شمالاً إلى اليمن وعمان جنوباً، فماذا ترى؟! صراعات دموية، وتفجيرات إرهابية، وبراميل متفجرة تسقط من المساء على المدن والقرى لتدمر وتحصد الأرواح.


آلاف من البشر يذهبون ضحايا، وآلاف أخر أكثر يسقطون جرحى، أيديولوجيات متطرفة تقتل البشر وتقطع الرؤوس وتمثل بالجثث وتنشر الرعب والدمار وتشرد الناس وتهجرهم من مدنهم وقراهم، بهدف تكوين دويلات دينية على أنقاض الدولة الوطنية، آلاف نزحوا وآلاف شردوا وآلاف يعيشون في خيام وآخرون لا سقف لهم إلا السماء، قراهم مهجرة ومدنهم مخربة، حرموا نعمة الأوطان، وآلاف غيرهم هاجروا تسللاً على "سفن الموت" عبر المتوسط فراراً من الذل والهوان إلى حيث الكرامة في بلاد الغرب، وكثيرون منهم يموتون في البحر غرقاً.


"العنف الإرهابي" و"الأيديولوجيات المدمرة" و"الأنظمة المستبدة" هي 3 آفات أهلكت تلك المجتمعات وجلبت لها الكوارث والنكبات، العالم العربي اليوم، عالم يموج بالاضطرابات والصراعات والفوضى والعنف الإرهابي الأعمى، عالم منغمس في الدم، دوله متصدعة، وميليشيات يقاتل بعضها بعضاً وتقاتل أنظمتها ومجتمعاتها سعياً وراء دويلات دينية مستحيلة! وحدة الخليج في منأى عن هذه الآفات، وحدها دول مجلس التعاون تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار، يجبى إليها ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغداً من لدن الكريم الرزاق، وحدها منطقة الخليج المنطقة الآمنة، ويتخطف الناس من حولها- "القاعدة" خطفت مؤخراً أثرياء في منطقة القبائل الجزائرية بهدف تمويل نشاطها– وحده الخليج الواحة الآمنة في عالم عربي مشتعل، دعونا نتساءل: ما الذي عصم الخليج من هذه الآفات المهلكات؟! ما الذي حمى "البيت الخليجي" وحصنه من الكوارث والنكبات؟!


أولاً: نظام سياسي حكيم متجذر في العمق التاريخي للمجتمعات الخليجية، يستمد شرعيته من الرضاء العام للمجتمعات الخليجية بتكويناتها المختلفة، وهي شرعية أكثر رسوخاً من شرعية "الصندوق الانتخابي"، وهو نظام يتصف بـ"حصافة" سياسية في التعامل مع المخالفين سياسياً عبر أساليب الإرضاء والاحتواء، لا يعرف النظام الخليجي أساليب القمع والقهر والإذلال، ولا انتهاك كرامات الناس، لا زوار فجر يطرقون بابك ليأخذوك إلى ما وراء الشمس أو إلى سراديب التعذيب، والمعارضة الخليجية مهما بالغت في معارضتها، فلن تتعدى مطالب الإصلاحات ومواجهة الفساد وتحجيم هدر الموارد لا تغيير النظام، كما أن النظام الخليجي يتسم بمرونة عالية تمكنه من استيعاب المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية في تبني الإصلاحات السياسية وزيادة المشاركة الشعبية وتوسيع هامش حريات التعبير، ولقد صدق سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد حين انتقد المعارضة في بلاده، قائلاً "على ماذا احتجاجكم؟! الحمد لله لا واحد نايم في الشارع، ولا واحد جاع، ولا واحد لجأ إلى بلد ثاني من ظلم... الصيحة هاذي كلها على (الصوت الواحد) في دولة ما فيها صوت واحد؟!".
ثانياً: نظام اقتصادي قادر على كفالة معيشة كريمة للناس وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بجودة عالية.


ثالثاً: إسلام أهل الخليج إسلام سمح، ينبذ العنف والتطرف والتعصب والتحزب والتسييس والأدلجة، لا يرى التظاهرات المخربة ولا المسيرات المهيجة للشارع والمؤلبة للرأي العام بهدف إيغار صدور الناس على الحكم، كما لا يعترف بالتنظيمات الحزبية المتصارعة على السلطة، هو إسلام متصالح مع ذاته، منسجم مع محيطه، متسامح مع الآخر، هذا الإسلام السمح "غير المؤدلج" دين الطيبين، هو الذي حصن الخليج من غزو الأيديولوجيات الهدامة.
هذه العوامل الثلاثة– بعد عون الله تعالى وتوفيقه– هي التي حمت البيت الخليجي وجعلته النموذج المشرق عربياً، والكيان الأكثر استقراراً وازدهاراً وانفتاحاً على العالم؛ تنمية شاملة، نهضة عمرانية ضخمة، مناخ سياسي منفتح، بيئة اجتماعية وسياسية آمنة ومستقرة تتميز بكل المرافق والخدمات المتطورة، الجاذبة لاستثمارات العالم والبشر.
ختاماً: إنها نعمة الأمن، النعمة الكبرى على أهل الخليج والتي تستوجب الشكر والامتنان للعلي القدير.