عاطف الغمري

الدروب التي تسلكها المنظمات الإرهابية في سيناء، وسوريا، وليبيا، والعراق، وصولاً إلى هدف تفتيت كل دولة من داخلها، وتقسيمها إلى كيانات مجزأة، هل يتم بالمصادفة، تلاقيها مع استراتيجية "إسرائيلية" معلنة، للوصول إلى الهدف نفسه وبالطريقة نفسها؟


عند قراءة ما نصت عليه، ما سميت وثيقة "إسرائيل" في الثمانينات، نجدها تقول بالنص: إن الخطة الاستراتيجية تعمل على محورين رئيسيين:
(1) أن تصبح "إسرائيل" قوة إقليمية كبرى .


(2) أن تدفع "إسرائيل" بالأحداث نحو تقسيم المنطقة العربية إلى دول صغيرة، بتفكيك جميع الدول العربية، تحت غطاء اقتتال . سواء بحرب خاطفة، أو باستخدام مسلحين يقومون بدور الوكلاء عن "إسرائيل"، أو بعمليات لا تظهر "إسرائيل" في صورتها . وإن نجاح هذه الخطة يحتاج إلى قيادات محلية يمكن شراؤها، أو توريطها في التعامل مع "إسرائيل" .


إن جماعات الإرهاب التي انتشرت في سيناء، كان بعضها قد أعلن عن نيته اقتطاع مساحة يقيم فيها ما أسماه إمارة إسلامية، والبعض تحدث عن فصل سيناء عن مصر ليقيم فيها دويلته، أو أن منهم من اقتبس المشروع الذي سبق أن عرضته الحكومة "الإسرائيلية" بفصل جزء من سيناء يمتد من رفح إلى العريش، مقابل مساحة مماثلة تعطى لمصر في صحراء النقب . وهذا المشروع تم ترويجه أخيراً في صورة معدلة، بضم هذه المساحة إلى غزة تحت حكم حماس .


هذه الأفكار تجري محاولات لوضعها موضع التنفيذ، في العراق، وسوريا، وليبيا، من جانب المنظمات الإرهابية التي تجمعها وحدة الأفكار، والتنسيق عملياً . ففي العراق مارس تنظيم "داعش" قتلاً عشوائياً مع كل من يعارضه، وهو تكتيك يدفع بالأمور نحو تقسيم الدولة . وهو ما كانت قد أكدته خطط معاركه في منطقة الأنبار، والسعي لفصلها عن العراق، ولتكون بعد ذلك نقطة انطلاق نحو مزيد من التفتيت في مناطق أخرى .


ولعل ما يقوم به كل من داعش، وجبهة النصرة، وكلاهما مرتبط بتنظيم القاعدة، في سوريا، يمضي في الاتجاه نفسه القائم على فكرة هدم الدولة، واقتطاع كل منهما ما يستطيعه من جسد الدولة السورية . هذه التنظيمات يتدفق عليها التمويل من الخارج، والمقاتلون الأجانب المرتزقة، وكانت التقارير الدولية قد قدرت أن النصرة وحدها يتبعها 12 ألف مقاتل في سوريا، أكثر من ربعهم من الأجانب . وأن هذا التنظيم يسعى لإشعال حرب أهلية في سوريا، يمكن أن تصل إلى تقسيم الدولة وتفتيتها من داخلها . وإلى جانبهما توجد فصائل أخرى تتبنى الفكر نفسه، منها العديد من التنظيمات التي تحمل اسم "جبهات" و"ألوية"، والقادمون من مصر وتونس وليبيا من تنظيم الإخوان .


وكما جاء في تحقيق ميداني لصحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية، من مواقع القتال في سوريا، فإن أكثر ما يثير القلق، أنه حين ينتهي القتال في سوريا فإن هذه المنظمات سوف تطلب الثمن . ومن المعروف أن أفكارها ورؤيتها للدولة، تتناقض تماماً مع ما يريده السوريون لدولة لمستقبل . فإن مطلب وحدة أراضي الدولة، وهو على النقيض تماماً من أهداف التقسيم والتفتيت .


على هذا النحو تلاقت أفكار المنظمات الإرهابية التي انتشرت وتكاثرت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مع مخططات أجنبية، وإذا كانت استراتيجية "إسرائيل" للتقسيم والتفتيت قد تمت صياغتها في الثمانينات، فإن فكرتها ليست جديدة . فالفكرة كانت موثقة في الفكر الاستراتيجي "الإسرائيلي" منذ منتصف الخمسينات، وتحدث عنها في مذكراته موشي شاريت رئيس وزراء "إسرائيل" الأسبق . لكن تنفيذها، كان ينتظر الفرصة التي تمكنهم من استغلالها، وبشرط أن يتولى التنفيذ حسب نص الاستراتيجية "الإسرائيلية" أطراف مسلحون، يقومون بدور الوكلاء ل"إسرائيل"، وإن ضمانات نجاحها تعتمد على الدور الذي تلعبه قيادات محلية، يمكن شراؤها، أو توريطها كعملاء ل "إسرائيل" .