محمد فهد الحارثي
&
حينما تسقط القطعة الأخيرة تنكشف العورات وتصبح الأسرار حقاً مشاعاً يعرفه الكل. ويبدو أن الإعلام الغربي انكشفت عورته، ساعد في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ومهنية وضمير حي لدى بعض الاعلاميين الغربيين الذين صرخوا بأعلى صوتهم يهاجمون اعلامهم المنحاز الى اسرائيل. ويتبرأون من هذا الاعلام الذي فقد قواعد المهنية.
&
فهذه الصحافية رولا جبريل في قناة ام اسي ان بي سي تحدت وسائل الاعلام التي وصفتها بأنها منحازة وقالت: »ان ذلك بسبب آيباك (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) وبسبب الأموال التي تدفعها، بسببنا نحن العاملين في الإعلام، نحن سخفاء، نحن مؤيدون لإسرائيل بشكل مقرف، انظر إلى نتانياهو ورفاقه، كم مرة نستضيفهم على مدار اليوم، وكم مرة نستضيف الفلسطينيين، انظر ما الذي حدث لأيمن محيي الدين، نحن نجبر الساسة أن يتخذوا مواقف مؤيدة لإسرائيل«.
&
وكان أيمن محيي الدين مراسل شبكة ان بي سي قد رصد مقتل الاطفال الفلسطينيين الأربعة على الشاطئ وكتب عنه في صفحته على فيسبوك، وقال في حديث تلفزيوني »مسلحو الجناح العسكري لحماس يعملون في أماكن قد تُعتبر سكنية لصغر مساحة القطاع، بالإضافة إلى الحصار المستمر على غزة والذي يمنع الفلسطينيين من الحركة بحرية«. فقامت القناة بإيقافه. لكن التفاعل الذي حدث في شبكات التواصل الاجتماعي ضغط على القناة فأعادته الى غزة بعد أربعة أيام من ايقافه.
&
وقدمت التغطية الاعلامية الأميركية الاحداث على أنها حرب بين قوتين متكافئتين في تبسيط مخل وخبيث يجعل المتابع مشغولا بالتغطية الميدانية للأحداث خارج السياق الكامل. وتركز القنوات التلفزيونية والصحف على تقديم الاخبار كقصف متبادل بالصواريخ بين الجانبين.
&
ومثال ذلك عنوان صحيفة نيويورك تايمز (اسرائيل وحماس يتبادلان الهجمات في ظل تزايد التوتر) أو عنوان جريدة وول ستريت جورنال الذي يكشف النظر بعين واحدة للنزاع (صواريخ غزة تصل العمق الاسرائيلي). في حين أن صحيفة مثل واشنطن بوست كانت أكثر وضوحا في انحيازها فعنوانها (قتيلان اسرائيليان في حرب غزة) وبينما في العنوان الجانبي (عدد القتلى يرتفع الى ‬033 مع تصعيد المقاومة الفلسطينية لعملياتها)، وكأن العنوان يوحي بتحميل المقاومة سبب تصاعد ارقام القتلى. تغطية تتنافى مع أساسيات العمل الصحافي.
&
وانحياز الاعلام الاميركي له جذوره في الخطاب والمصطلحات نفسها. فالأراضي المحتلة هي في الإعلام الاميركي الاراضي المتنازع عليها. وحينما يذكر المستوطنون الإسرائيليون الذي يقومون بعلميات قتل للفلسطينيين هم (متطرفون) في حين يطلق على المقاتلين الفلسطينيين (ارهابيين). وتعتبر قناة فوكس القناة الأكثر انحيازا وتمثل اليمين الذي يجاهر بانحيازه لإسرائيل وتعطي المساحة الاكبر في تغطيتها للمسؤولين الإسرائيليين. تأتي بعدها قناتا سي بي سي وان بي سي والى حد ما سي ان ان. وتساهم شبكات التواصل الاجتماعي في الضغط على المؤسسات الاعلامية الضخمة الأميركية. فأصبحت هناك نوافذ جديدة للمتلقي في الغرب يتلقى من خلالها المعلومة.
&
وأصبحت تشكل قوة ضغط من خلال تأثيرها على وسائل الاعلام والرأي العام. ولذلك يمكن اعتبار التغطية رغم انحيازها لإسرائيل في معظم الوسائل الاعلامية إلا أنها هذه المرة اوجدت مساحة للجانب الآخر (الفلسطيني) وبطبيعة الحال أثرت الصور المأسوية للضحايا الاطفال في التأثير على الرأي العام وعلى التغطية نفسها. كما أن قتل الأطفال الأربعة الفلسطينيين على الشاطئ وهم يلعبون كان منظرا صارخا ومؤلما وهز الرأي العام.
&
ويعكس اعتذار قناة ايه بي سي للجمهور بعد تقديمها تقريرا لعائلة فلسطينية تجمع بعض حاجياتها من حطام منزلها على أنها أسرة اسرائيلية وتعلق المذيعة (نأخذكم إلى الخارج الآن، حيث الصواريخ تمطر اسرائيل اليوم، بينما تحاول إسرائيل صدها).
&
وهنا قامت ثائرة المتابعين على تويتر مما اجبر القناة على الاعتذار. وكان المشهد للأميركيين مختلفا حينما اختطف متطرفون إسرائيليون الطفل محمد أبو خضير وتم حرقه وقتله. ثم حاول متطرفون اختطاف ابن عمه طارق الفلسطيني الأميركي الجنسية. فكان هناك تعاطف شعبي مع طفل أميركي ضحية في هذا الصراع. وقالت والدة الطفل لقناة أيه بي سي (الفلسطينيون يعيشون ذلك كل يوم).
&
الاعلام الاميركي خاصة بعض الاعلاميين طرحوا المسألة بصراحة وكان الاعلامي الساخر جون ستيوارت جريئا في طرحه للموضوع معلقا على خبر ان بي سي بشأن أن هناك تبادلا للقصف فقال (صحيح أن الجانبين يتبادلان القصف، لكن يظهر جلياً أن هناك جانباً أكثر براعة وتفنناً في القصف!). وتساءل مستهزئا من طلب الحكومة الإسرائيلية من مواطني غزة اخلاء القطاع أين يذهبون. إنهم محاصرون هل يقفزون الى البحر.
&
يبرر اعلاميون بأنهم يجدون مساحة أكبر للحركة في اسرائيل للمشاركة في القنوات بينما لا يتيسر لهم ذلك في غزة. ويرد عليهم جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الاميركي في مقالة له انه عذر غير مبرر واستشهد بتغطيات صحافية يومية مهنية من داخل غزة. وهي وجهة نظر صحيحة فالصحافي الذي يبحث أسهل الطرق لعمل تقاريره الصحافية يخالف المهنة التي تتطلب مثابرة وتضحية من اجل القيم التي يعمل الصحافي من اجلها.
&
قضية غزة جرح كبير وغائر في ضمير العالم. والاعلام الذي يتجاهل أو يحجم هول هذه المأساة هو شريك بشكل أو بآخر في هذه الجريمة. والاعلام الجديد برز كشاهد ورقيب يفضح ويرصد لمهنية الاعلامي والمعايير الموضوعية للتغطية الاعلامية. ومطلوب من المؤسسات الاعلامية ومراكز الدراسات والبحوث عمل دراسات تحليلية للتغطيات الاعلامية ونشرها، فمهما كانت الأضواء صاخبة فصوت الحق أعلى.