محمد فاضل العبيدلي
&
لنبدأ من مجزرة الشجاعية: لا يقدم الإسرائيليون على مجازر كهذه إلا في حالة واحدة: عندما يتكبدون خسائر جسيمة في الأرواح ويعجزون عن تحقيق أي هدف من حربهم. لم يمر الوقت طويلاً لتتضح الصورة: مقتل 13 جندياً وضابطاً صهيونياً من لواء »جولاني« لواء النخبة في الجيش الصهيوني وأسر جندي من ذلك اللواء. من هنا يمكننا رصد جملة متغيرات جديدة فرضها العدوان وسقوط أوهام، هذه أهمها:
&
العدوان يستهدف الوحدة الفلسطينية: ليس هناك مجال للشك أن القرار السياسي بشن الحرب جاء متعجلاً (ومن الواضح أنه ضد نصائح الاستخبارات) وتحديداً منذ الإعلان عن إنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، بل هو رد على هذا الاتفاق وتشكيل الحكومة والمسار الذي يقود إليه.
&
قصة »اختفاء« المستوطنين الثلاثة في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل في الضفة الغربية تشير إلى سيناريو تم إعداده على عجل لتبرير العدوان ووضعه في خانة رد الفعل. إسرائيل تحت وطأة أزمة أيضاً: تصور الإسرائيليون أن المصاعب التي تعاني منها »حماس« في إدارة القطاع وتراجع علاقاتها مع إيران وسوريا يمكن أن يجعلها عدواً منهكاً وضعيفاً أو لقمة سائغة.
&
الأمر الأهم في دوافع إسرائيل الذاتية لشن العدوان هو خسائر للاقتصاد الإسرائيلي ستصل بنهاية العام إلى 6 مليارات دولار حسب وزير مالية إسرائيل يائير ليبد، جراء حركة المقاطعة المتنامية دولياً لمنتجات المستوطنات والتي تقودها حركة المقاطعة الفلسطينية منذ العام 2005. أضف أن حركة المقاطعة الأكاديمية دفعت إسرائيل من جديد إلى وضع »الدولة المنبوذة« مع تزايد حركة المقاطعة للجامعات الإسرائيلية من قبل جامعات وهيئات علمية كبيرة وعلماء بارزين في الولايات المتحدة وأوروبا.
&
الدعاية الإسرائيلية تستلهم مبادئ غوبلز بدقة: ضمن تحضيراتهم لأي عدوان، يضع الإسرائيليون خططاً للدعاية والحرب النفسية تترافق مع الحرب لإشغال الفلسطينيين والعرب بقصة محبوكة لتشتيت انتباههم وإضعاف معنوياتهم.
&
هذه المرة، حبكت أجهزة الدعاية الإسرائيلية قصة تلهية هي »تورط دول عربية في العدوان« وهذه المرة اختاروا الإمارات. الحقيقة هنا هي أن أول من صرح بهذه القصة هم مسؤولون إسرائيليون سابقون مثل شاؤول موفاز قائد الجيش الإسرائيلي الأسبق (1998-2002) وكتاب إسرائيليين تطوعوا بتقديم هذه الأكاذيب لمحطات التلفزة والصحف الإسرائيلية.
&
فات على كثيرين أنها بدأت منذ الأيام الأولى للعدوان وهو ما يؤكد أنها ضمن حملة منسقة متزامنة مع الحملة العسكرية. تم بناء الكذبة على توتر قائم بين الإمارات ودول الخليج وحركة الإخوان المسلمين وهذه هي نصف الحقيقة حسب مبدأ غوبلز الشهير لكن الكذبة التي بنيت عليها هي »تمويل الإمارات للعدوان«. المشكلة أن ثمة عرباً يتطوعون لنقل وإعادة تدوير مثل هذه الأكاذيب تحت وطأة الإحباط أو الجهل أو بدوافع مغرضة فيبدو الأمر بفعل التكرار فقط (العنصر الثاني في مبدأ غوبلز لتمرير الأكاذيب) وكأنها »حقيقة«.
&
تفوق تكتيكي للمقاومة: أظهرت المعارك التي خاضها مقاتلو المقاومة، تفوقاً تكتيكياً واضحاً يدل على استفادة من دروس سابقة وتقديرات دقيقة لأساليب جيش إسرائيل. في الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل على غزة (2008-2012) كان المقاتلون يتحصنون انتظاراً للقوات الإسرائيلية، هذه المرة سلب المقاتلون الفلسطينيون عدوهم أي ميزة تكتيكية في مسرح القتال عبر المبادرة إلى ضرب القوات الإسرائيلية ونصب الكمائن والتسلل خلف خطوطها والمباشرة في الالتحام مع قوات العدو.
&
يظهر هذا التفوق جلياً لدى »كتائب القسام«، لكن بقية مقاتلي الفصائل الأخرى يظهرون قدرة عالية على تعزيز هذا التفوق بأداء مساند يرمي دوماً إلى امتلاك زمام المبادرة بالميدان. الأمر الأهم هو أن المقاتلين الفلسطينيين يبدون مستعدين لمعركة طويلة معتمدين على ذاتهم أكثر من دعم خارجي. ترافق هذا مع أداء سياسي يتسم بالمسؤولية لحركة حماس، ترد عبره بفعالية على الدعايات الصهيونية. حيت مصر بتسمية المعركة »معركة العاشر من رمضان« وفندت كل الأكاذيب التي سوقها الإسرائيليون عن الإمارات.
&
وحدة فلسطينية على أسس جديدة: رغم الإدراك المسبق لحقيقة أن الاستفراد الصهيوني بغزة يتم لتكريس حالة الانقسام عبر إظهار عجز الحكومة الفلسطينية عن حماية غزة وهو عجز موضوعي وليس اختياري، إلا أن التحول في موقف الحكومة الفلسطينية والرئيس عباس يمثل تحولاً مهماً يمثل رداً على هذا الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي، نحو تعزيز وحدة الموقف الفلسطيني مبنية على المتغيرات الجديدة التي فرضها عدوان غزة والأداء البطولي للمقاومة.
&
يحسب لحماس أنها نأت بنفسها عن الدخول في مساجلات سياسية، لكن من المؤكد أن المطلوب فلسطينياً هو تصليب هذا الموقف الموحد أكثر وأكثر نحو توظيف مكتسبات الصمود الفلسطيني لتعزيز المشروع الوطني الفلسطيني استراتيجياً. هذا المسعى يفرض بداية التمسك بشروط المقاومة (وعلى رأسها رفع الحصار البري والبحري والممر الآمن بين الضفة وغزة) رغم كل الضغوط التي ستتعرض لها الحكومة الفلسطينية.
&
سقوط أوهام تفوق إسرائيل: درس مستعاد للمرة الألف يجدر أن يفهمه من أخذ أهل غزة بجريرة اختلافه مع حماس. تفاهة مستشرية في الإعلام العربي: لا يحتاج الأمر شرحاً.