أحمد عبد الملك
&
ظهر «إمام» المسلمين فجأة الأسبوع قبل الماضي (أبوبكر البغدادي) بعد أن تمت مبايعته إماماً وخليفة للمسلمين، وتم إلغاء اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وكان بيان قد صدر عن (داعش) ألغى بموجبه المسمى السابق وتم اعتماد اسم (الدولة الإسلامية)، التي قال البيان إنها «راية التوحيد عالية خفاقة مرفرفة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالا. وباتت أسوار الطواغيت مهدمة وراياتهم مكسورة. والمسلمون أعزة والكفار أذلة، وأهل السُنة سادة مُكرمون، وأهل البدع خاسرة، لقد كُسرت الصلبان وهُدمت القبور». كما دعا البيان إلى القسم والولاء لـ«إمام المسلمين» في كل مكان وليس في العالم الإسلامي. وكانت صحيفة (الديلي ميل) البريطانية قد نشرت خريطة للدولة الإسلامية تتوقعها للدولة الإسلامية بعد خمس سنوات، وشملت أرض المغرب، أرض الحبشة، أرض الكنانة، أرض الحجاز، أرض العراق، أرض الشام، وخوراسان والأندلس وكردستان والأناضول والقوقاز وأوروبا. وحسب الخريطة فإن دولة الخلافة ستشمل إسبانيا ودول البلقان واليونان ورومانيا وبلغاريا وأوروبا الشرقية. أما أراضي خوراسان فتمتد من إيران وحتى بحر الصين.
&
في مدينة الرقة شرقي سوريا تم تنظيم استعراض عسكري بوساطة مسلحي داعش، حيث لوحظ وجود صواريخ سكود وبطاريات إطلاقه! وتلك إشارة واضحة للتساؤل حول مصدر هذه الأسلحة التي قيل إن عناصر داعش أحضرتها من العراق، وشملت الأسلحة كذلك دبابات ومدافع وشاحنات أميركية استولى عليها التنظيم من الجيش العراقي ونقلها إلى سوريا. كما ألمح بعض المصادر إلى أن تلك الأسلحة من المخازن التي استولى عليها (التنظيم) من الجيش السوري النظامي في دير الزور والرقة. (إيلاف – 1/7/2014). وكان تنظيم (الدولة الإسلامية) قد أحكم سيطرته على كامل أرياف محافظة دير الزور شرق سوريا، وجميع آبار النفط فيها وضمها إلى مواقع نفوذه التي تمتد إلى تخوم مدينة حلب، حيث تسيطر تلك العناصر ــ حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ــ على مساحة تقدر بخمسة أضعاف مساحة لبنان، أي 50 ألف كيلومتر مربع. (الشرق الأوسط – 4/7/2014).
&
يذهب بعض المحللين إلى أن تصرفات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي وقف في وجه الصحوات، ولم يفِ بتعهداته لها هو السبب فيما يعيثُ في أرض العراق من دمار وقتل امتد حتى سوريا. ولقد حلت الآن (الدولة الإسلامية) التي ولدت من رحم (داعش)، التي اتخذت الوحشية والتطرف في القتل والتدمير عنواناً وهدفاً، والرجوع بالبشرية إلى أكثر من عشرين قرناً من الزمان، وهي تطارد الإنسان والتمثال على السواء! وبذلك حادت عن طريق تقديم نموذج للمعارضة يقف في وجه تصرفات المالكي ومغامرته بمستقبل العراق. ما يقلق البعض – وأنا منهم – هو التطرف في البحث في أُصول داعش، وهل هي صناعة أميركية، كما كتب راجح خوري «ويعرف السوريون والعراقيون والكثيرون في هذه المنطقة البائسة أن (داعش) ولدت من رحم الاستخبارات الأميركية» (إيلاف – 1/7/2014 )، بينما يقول محلل آخر إبراهيم أحمد: «وثمة من يقول إن داعش إيرانية المولد والهوى».. يواصل «من الواضح أن داعش قد أضّرت بالسُنة، وأفادت إيران والمالكي إلى حد كبير». وتم تبادل عدة رسائل حول نشأة (داعش) وبعض الجماعات الأخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
&
وكانت قد ترددت أنباء – بعد إعلان الدولة الإسلامية – عن وجود ردة فعل إيجابية مساندة شرق سوريا، فيما أعلنت (الدولة الإسلامية) أنها تعتزم إلغاء الحدود من البحر المتوسط وحتى الخليج وإعادة الخلافة إلى المنطقة. في حين ذكرت أنباء أن هذه (الجماعة) ليست بتلك القوة التي يمكن أن تحاول تأجيج عنف إقليمي، وأنها تبالغ في تصوير قوتها ونفوذها عبر حملات إعلامية متطورة! أما البيان الأول لهذه الجماعة فقد نبه المسلمين بأنه «بإعلان الخلافة صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة ونصرة» الخليفة "إبراهيم أبوبكر البغدادي"، حفظه الله، وتبطل شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جُنده؛ ما اعتُبر تحدياً للأنظمة والحكام بل والإمبراطوريات العتيدة التي قامت منذ مئات السنين من إيران وحتى شرق الصين، بل وحتى في أوروبا، كما جاء في الخريطة المذكورة.
&
ونحن – كمسلمين – لا نعرف اليوم موقعنا من الإعراب؟ فهل نبايع إمام المسلمين كما فعل السابقون، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وبعد توالي الخلفاء من بعده، إذ لم يظهر لنا «داعية» أو إمام – وما أكثرهم – ليرشدنا إلى «سواء السبيل»!. في حين أن أغلبهم منغمسون في أحاديث الحلال والحرام، وتمجيد الرؤساء، بل إن أغلبهم أصبح «سياسياً» ومنظراً في علم السياسة، وترك أمور المسلمين على هامش اهتماماته. نحن فعلاً مُصابون بحالة من الدهشة والاضطراب وضابية الرؤية، خصوصاً بعد بيان (الدولة الإسلامية) – أعلاه – وهل سوف يُقام علينا الحد لو
&
«خالفنا» أمر «إمام المسلمين»؟. بالطبع قد تكون تلك الأخبار غير صحيحة! ولكن لابد لنا من رؤية أو بيان واضح من المرجعيات الإسلامية تحدد لنا الموقف الملتبس، خصوصاً بعد ورود أنباء عن وصول عناصر "الدولة الإسلامية" إلى الحدود السعودية والأردنية، وحصل حشد كبير من الطرف الغربي والشمالي للعراق. وهذا يزيد من أزمتنا واضطرابنا. كما أن مجلس التعاون، الذي يعتبر نظامنا السياسي والأمني الإقليمي، ما زال صامتاً؟ ولكأنه يتفرج على «ملهاة» كوميدية، قد تتحول إلى تراجيدية، وقد تكون مضحكة في النهاية! بحكم أننا لا نعرف الحقيقة! نحن فعل لا نعرف ماذا نفعل؟ ومن نُصدق؟ ومن نُكذب؟ لأن الذين من المفترض أن يتحدثوا قد صاموا – مع رمضان – عن الحديث!
&
الولايات المتحدة – بطل العالم في كل شيء – هي الوحيدة التي أعلنت أن «تنظيم (الدولة الإسلامية) على الأراضي التي يسيطرون عليها في العراق وسوريا لا يعني شيئاً»!. حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية (جين بساكي): «سمعنا من قبل هذه الكلمات من تنظيم (الدولة الإسلامية) في العراق والشام، هذا الإعلان لا يعني شيئاً للناس في العراق وسوريا»!. وأشارت إلى أن (التنظيم) «يحاول السيطرة على الناس بالخوف». (الاقتصادية – 30/6/2014 ). على الإعلام العربي ألا يكون «صدى» لما تعلنه الأطراف المتشددة، وتلك المتعطشة للدماء والثأر، بل عليه أن «يُنوّر» الناس بحقيقة الموقف! لماذا لا يجري هذا الإعلام – بقنواته الفحلة – مقابلات مع عناصر التنظيم – كما فعل مع عناصر "القاعدة" في أفغانستان؟ بل ومع «إمام المسلمين» بذاته؟ أليست هذه قصة إخبارية تستحق تصدر نشرات الأخبار؟ لماذا لا يستمزج هذا الإعلام آراء السياسيين والعسكريين والمفكرين؟ كي يطمئن المواطن العربي المسلم على حياته وحياة أسرته؟
&
نحن ندرك بأنه إذا تحركت الجيوش الوطنية إلى الحدود، ذلك مدعاة لطمأنة المواطنين و«حماية الثغور». وتقديم الصورة الواقعية لذلك التحرك المطلوب. ذلك أن تحرك الجيوش يؤثر على الاقتصاد، وحركة الأسهم، تماماً كما يؤثر على النفوس والإنتاجية والحالة النفسية للمواطن. نحن نعتقد أن تهميشاً واضحاً قد ظهر لمعالجة هذه الظاهرة إعلامياً؟ ولا ندري من هو المستفيد من ذلك. وقد لا يكون من المجدي تطبيق نظرية «التجاهل» في هذا الموضوع، خصوصاً في ظل وجود أدوات التواصل الاجتماعي، والتي يبُث الكثيرُ منها شائعات وادعاءات وأكاذيب. لكننا نعني هنا المحطات الرسمية والقنوات الموثوقة.