آمال موسى
&
من يوم إلى آخر، تزداد القناعة بتعقد الوضع في ليبيا وغموضه وذلك حتى بالنسبة إلى المتابعين بدقة للشأن الليبي. فالأطراف المتصارعة متعددة؛ منها من ينتمي إلى التنظيمات الإسلامية ومن ينتمي إلى كتائب الثوار التي تستمد شرعيتها من إطاحتها بنظام القذافي في فبراير (شباط) 2012. ويتفرع كل طرف بدوره إلى فصائل عدة، الأمر الذي جعل الأمور والأوراق تختلط على الجميع بحكم التشابك الحاصل المقصود.
&
وإذا كان تحديد ملامح الأطراف المتصارعة بشكل دقيق صعبا، فإن توصيف الصراع أمر سهل للغاية: إنه صراع مسلح بامتياز حتى لكأننا أمام صراع دولي وليس صراع جماعات داخل بلد واحد. وهو ما يعني أن ليبيا تعيش حربا أهلية عنيفة ومعقدة اختار فاعلوها النزاع المسلح بدل التفاوض من أجل حل الأزمة السياسة.
&
ففي هذا الإطار، نضع تزايد تأزم الأحداث في ليبيا خلال شهر رمضان وفي أيام العيد حيث المعارك المسلحة في بنغازي وأخرى في طرابلس حول مطار طرابلس الدولي، نتج عنها – أي المعارك - إجلاء جماعي للبعثات الدبلوماسية والأجانب وأيضا دعوة الحكومة الليبية إلى تدخل دولي لمساعدتها في ضبط الأمن.
&
وفي ضوء هذه الانزلاقات الخطيرة، تكتمل شروط الحرب الأهلية التي يبدو أنها تتغذى من التكاسل الدولي إزاء تعكر الأوضاع في ليبيا لتتوسع وتكبر لصالح قوى الموت والإرهاب.
&
الظاهر أن اشتداد الصراع المسلح بين المتصارعين السياسيين المسلحين، إنما يعود في أحد أهم أسبابه إلى نتائج الانتخابات البرلمانية التي حصلت في 25 يونيو (حزيران) الماضي والتي أظهرت نتائجها المعلن عنها يوم الأحد 21 يوليو (تموز) عن هزيمة نكراء للجماعات الإسلامية وصعود وجوه مدنية بالأساس. ذلك أن التنظيمات الإسلامية لم تحصد إلا 23 مقعدا من أصل 200 مقعد. في حين توزعت بقية المقاعد على اتجاهات مدنية ليبرالية وفيدرالية ومستقلة. أي أن الجماعات الإسلامية من جهة و«الثوار» من جهة أخرى يرون في نتائج الانتخابات البرلمانية خسارة لهم وتهديدا لوجودهم السياسي في المستقبل، فكان اللجوء إلى العنف المسلح بشكل غير مسبوق وذلك لعدة أسباب أهمها، أن نتائج هذه الانتخابات تعني أنهم غير مرغوب فيهم شعبيا والتهديد أصبح يطال وجودهم السياسي كما أسلفنا. السبب الثاني، هو أن غريمهم السياسي اللواء خليفة حفتر قد حصد مساندة قبائلية وشعبية، أسهمت في نجاح ما سماه عملية «الكرامة»، ومن ثمة، فإن ليبيا مقبلة بعد أن أعلنت عن نتائج الانتخابات البرلمانية على مرحلة سيجد فيها الثوار والجماعات الإسلامية أنفسهم في موقع محاسبة وأمام خارطة سياسية في قطيعة مع خيارات البرلمان السابق أي المؤتمر الوطني العام ذي الأغلبية الإسلامية المتشددة التي قامت بسن قانون العزل السياسي وغيره من التشريعات غير التوافقية ووفرت الحماية اللازمة لـ«دروع» الأمن في ليبيا فعملت بذلك على خلق دول داخل الدولة الليبية. وهي كلها إجراءات مقصودة لكونها سعى من خلالها المهيمنون على المؤتمر الوطني العام آنذاك إلى تحصين قوتهم لتكون جاهزة للنزاع المسلح وخلق الفوضى في صورة حصول أي تغير ضدهم. لذلك فهم يعدون عملية «الكرامة» انقلابا صريحا.
&
ولما شعر المستهدفون المشار إليهم أن مجلس النواب الجديد الذي من المنتظر أن يبدأ بعد أيام قليلة، إنما يغلب عليه الاتجاه المدني، فإنهم فهموا أن قطع الطريق أمام انطلاق أشغاله حل عملي وميداني لنقل امتحان القوة من صناديق الاقتراع إلى المعارك المسلحة وما قد ينتج عن ذلك من ضغط يجعل منهم طرفا في العملية السياسية المقبلة.
&
من هذا المنطلق، فإن تزايد وتيرة العنف في ليبيا أمر متوقع جدا خصوصا أن عملية الانتخاب قد رافقتها عمليات عنف واغتيال. كما أن الذين كانوا مستفيدين من المؤتمر الوطني العام لم يسكتوا عن خلع غطاء الشرعية عنهم زد على ذلك الأداء الضعيف للحكومة وتغلغل الجماعات المسلحة المتطرفة وعمليات استهداف موانئ النفط التي تكثفت من النصف الثاني من العام الماضي.
&
كل هذا الإرث الثقيل جدا، مثّل رصيدا ثريا للتوقعات السيئة. بل إن الاحتقان الذي تمت في ظله الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحالة الفوبيا التي نجحت الجماعات المتطرفة المسلحة في نشرها، أثرا بشكل عميق على عدد المرشحين للانتخابات البرلمانية الذي لم يتجاوز 1734 مرشحا في حين أن انتخابات 2012 تجاوزت 3000 مرشح وبذلك فقد حصل تراجع بلغت نسبته قرابة 42 في المائة. إضافة إلى انخفاض نسبة المسجلين في القوائم الانتخابية بـ44 في المائة، مما يعني ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة السياسية في الحياة السياسية من جهة وأيضا في معدلات المسجلين والمصوتين من جهة ثانية.
&
المهم حاليا هو أن نتائج الانتخابات البرلمانية حظيت بإشادة دولية. لذلك فإن المعارك المسلحة الأخيرة التي بدأت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات هي تحويل وجهة سياسية وامتحان للقوة ذهب ضحيته كثير من القتلى.
&
ولأن المصلحة المغاربية والعربية والدولية تقتضي هزيمة جماعات العنف وأيضا التنظيمات الإسلامية المتطرفة، فإنه لا مفر من مساعدة ليبيا قبل أن تصبح هذه المساعدة أكثر صعوبة واستحالة.