عبدالله جمعة الحاج

على إثر توغل تنظيم دولة الخلافة الإسلامية الإرهابي (داعش سابقاً) في الأراضي العراقية قادماً من الشمال والغرب، واستيلاءه على معظم الطرق المؤدية إلى سوريا والأردن ووصوله إلى مشارف بغداد وسيطرته على عدة مدن عراقية ومناطق شاسعة من العراق وسوريا قد تكون المعادلة السياسية الإقليمية في داخل العراق قد تغيرت وأصبحت اللعبة السياسية فيه تدار على أسس جديدة تحجم من الهيمنة السياسية الشيعية ممثلة في ائتلاف دولة القانون والتنظيم الصدري وبقية التنظيمات والأحزاب والائتلافات السياسية الشيعية الأخرى، فهذه التطورات الدرامية العنيفة تفتح أبواب جميع الاحتمالات الممكن لها أن تحدث على مصراعيها وتجعل من الصراع الإقليمي على العراق وفي داخله يزيد تأججاً وحدة.

دول مجلس التعاون الخليجي الخمس المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت والبحرين وعُمان - مستثنين قطر حالياً لأنها تبدو وكأن لها أجنداتها الخاصة حول الكثير من قضايا العالم العربي - تنظر إلى العراق على أنه ميدان صراع ضمن صراعها الجيوستراتيجي الأوسع مع إيران، بمعنى أن المكاسب السياسية التي تحققها الجماعات الموالية لإيران في العراق ينظر إليها على أنها بمثابة مكاسب لإيران ذاتها وخسائر للدول الخمس، بهذا الصدد، المراقبون والمحللون السياسيون من هذه الدول يلومون الولايات المتحدة على أنها هي التي سلمت العراق لإيران على طبق من ذهب بحيث أصبح من الصعب على بلدانهم التصدي للنفوذ الإيراني فيه، ويتحسرون على فقدان بلدانهم الاستراتيجية في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق، في الوقت الذي اتضح فيه بأن لدى إيران خططا واضحة ونفوذاً تم كسبه بشكل سريع منذ عام 2006، تمكنت من خلاله ممارسة سياسات الاحتواء والسيطرة على الخسائر التي قد تصيب مصالحها، أي أن دول المجلس الخمس خسرت نفوذها في صالح النفوذ الإيراني.

وبتوغل فصائل الإرهاب والتطرف إلى داخل العراق أصبح مستقبله كبلد متماسك على المحك، فالدولة الهشة والمفككة التي تركتها الولايات المتحدة فيه قبل خروجها عام 2011 تتفتت في الوقت الحاضر إلى دويلات طوائف، والمشكلة في جلها داخلية أكثر من كونها خارجية، ونتاج لعمل سياسي وأمني لم يكتمل على يد الولايات المتحدة أثناء تواجدها فيه عسكرية وسياسياً، ثم أتت الحرب الأهلية السورية لكي تفاقم منها إلى أقصى الحدود، إن العنف الآن في كل شبر من أرض العراق والمعضلات الكبرى تتضاعف في كل لحظة، والعراقيون والخليجيون والعرب الآخرون في كل مكان يخشون من أن يسير العراق بسرعة نحو أن يصبح صومالاً آخر.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن غزو «داعش» للعراق يمكن أن يكون له تأثيران آخران أكثر خطورة، الأول: هو أن يصبح العراق أرضاً جديدة لتفريخ الجماعات والمنظمات الإرهابية التي ترى نفسها بأنها في حرب مع أنظمة الحكم في المنطقة ومع دول الغرب كافة انطلاقاً من مبدأ دار الإسلام ودار الحرب، فمثل هذه المنظمات يطيب غرامها وتنمو وتنتعش في المناطق والدول التي توجد بها حروب طائفية وأهلية، والأمر الثاني هو أنه بوجود الحرب الأهلية الدائرة الآن في العراق، عندما يضاف إليها ما يحدث في سوريا ولبنان، فإن الأمر سيعني صراعاً طائفياً على أساس مذهبي وطائفي واسع النطاق يبدأ من سوريا ولبنان مروراً بالعراق وربما دول خليجية أخرى، وانتهاءً بإيران وحيثما يتواجد الشيعة في أواسط آسيا، وهو أمر لم تشهد له المنطقة مثيلاً من قبل، وعليه فإن ما تسبب فيه داعش جعل من قدرة القوى العراقية المحلية على تحقيق الاستقرار أمرا غير وارد، وستبقى المسألة متروكة للصراعات والقوى الإقليمية، لكن أكثر هؤلاء قدرة على فعل شيء هي إيران ما يجعل الأمر بالنسبة للعراقيين كالمستجير من الرمضاء بالنار.
&