صراع المحاور في العراق وسوريا وغزّة لا يسمح بانتخاب رئيس في لبنان

اميل خوري

يبدو ان "حزب الله" ليس مستعجلاً على انتخاب رئيس للجمهورية والا كان صارح حليفه العماد عون بأن المصلحة تقضي باعلان انسحابه، لأن الظروف غير ملائمة وفوزه بالرئاسة غير مضمون ولا بد من انتظار التطورات المتسارعة في المنطقة كي يبنى على نتائجها الموقف اللازم. لكن "حزب الله" يفضل في الوقت الحاضر الاستمرار في تعطيل نصاب جلسات الانتخاب ولا شيء يبرر استمرار ذلك سوى بقاء العماد عون مرشحاً كوسيلة فضلى للتعطيل... لذلك فلا الحزب طلب منه الانسحاب ولا هو مستعد لأن يبادر الى اعلان ذلك كي لا يسحب من يد الحزب ورقة التعطيل. وقد يكون هناك في الطرف الآخر من لا يزعجه تعطيل الانتخابات الرئاسية اعتقاداً منه ان التطورات المتسارعة في المنطقة قد تأتي نتائجها في مصلحة من يريده رئيساً للجمهورية.

الواقع ان الصراع بين المحور الايراني ومن معه في المنطقة وخارجها والمحور المناهض له يزداد شدة في سوريا والعراق والآن في غزة، ولا بد من انتظار نتائج هذا الصراع لتأتي صورة رئيس جمهورية لبنان على شكل هذه النتائج، فلا تقع ايران في الخطأ الذي وقعت فيه سوريا عندما وافقت على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية باعتباره توافقياً فكانت النتيجة انه انهى عهده بمواقف لا تصب في مصلحة السياسة الايرانية والسورية عندما عارض بشدة تدخل "حزب الله" عسكرياً في الحرب السورية واعتبر هذا التدخل مخالفاً لاعلان بعبدا الذي يدعو الى تحييد لبنان وينقل بالتالي نار هذه الحرب الى داخله.


لذلك، فإن ايران تفضل ابقاء منصب رئيس الجمهورية في لبنان شاغراً وعدم استعجال ملئه باستباق نتائج الصراع في المنطقة، مستعيضة عن ذلك بحكومة الرئيس سلام التي تضم ممثلي غالبية القوى السياسية الأساسية في البلاد كي تتولى بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية وهو ما فعلته سوريا عندما فضلت التمديد للرئيس اميل لحود على انتخاب رئيس جديد خلفاً له وذلك ثقة منها بأنه يقف معها بقوة ضد القرار 1559، وليست مستعدة، وهي في مواجهة هذا القرار، ان توصل رئيساً للبنان لم تجربه من قبل لينال ثقتها، ففضلت رئيساً قديماً تعرفه على رئيس جديد لم تختبره او تتعرف اليه وان كانت تعرفه.


والسؤال المطروح هو: هل مكتوب للبنان ان يظل حل مشكلاته مرتبطاً بحل مشكلات المنطقة؟ فعندما حاول حل مشكلته مع اسرائيل بمعزل عن حل ازمة الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية تنفيذاً للقرار 425 الذي يدعو اسرائيل للانسحاب من جميع الاراضي اللبنانية التي تحتلها بدون قيد او شرط، فلا سوريا وافقت على فصل مسارها عن مسار لبنان وأصرّت على تلازم المسارين ما يعني ان على لبنان وسوريا الدخول مع اسرائيل في مفاوضات لتحقيق الانسحاب من الجنوب اللبناني ومن الجولان السوري مع ان القرار المتعلق بلبنان لا يدعو الى اجراء هذه المفاوضات كون وضع الجنوب اللبناني يختلف عن الوضع في الجولان بالنسبة الى مجلس الامن. وعندما حاولت الولايات المتحدة حل الازمة اللبنانية بمعزل عن حل ازمة الشرق الاوسط بارسال قوات متعددة الجنسية اليه، تصدى لها الاتحاد السوفياتي السابق بتنسيق غير معلن مع سوريا وايران، ما اضطر القوات المتعددة الجنسية الى مغادرة لبنان بعد تفجير مبنى السفارة الاميركية في بيروت ومقري مشاة البحرية الاميركية والفرنسية.


وهكذا ظلت المشكلة اللبنانية مع اسرائيل بدون حل وكذلك المشكلة السورية والمفاوضات في شأن القضية الفلسطينية تدور في حلقة مفرغة ولا تزال حتى الآن، وان كل ما حققته اسرائيل هو الأمن لحدودها وهي تحاول استكماله بحرب غزة التي لا احد يعرف متى تنتهي وكيف. فهل بات على لبنان انتظار نتائج هذه الحرب كي تقرر ايران ومن معها اي رئيس يكون للبنان؟... فإذا انتهى الصراع في المنطقة بانتصار المحور الايراني كان للبنان رئيس موالٍ لهذا المحور واذا انتهى بهزيمته كان للبنان رئيس آخر. فهل يبادر الزعماء الوطنيون في لبنان الى اخراج لبنان من مرحلة انتظار نتائج هذا الصراع الذي قد يطول وينتخبون رئيساً لا يكون مع اي محور بل مع حياد لبنان كي يرتاح ويريح، وهل مثل هؤلاء الزعماء موجودون ولهم حرية القرار ام انهم مرتبطون بخارج ومرتهنون له ولا يتخذون قراراً باشارة من هذا الخارج؟
&