محمد الساعد

تحدّث الملك عبدالله خلال الأعوام الماضية مرات عدة، ارتبطت بأحداث الإقليم العربي في معظمها، وفي كل مرة كانت كلماته مؤثرة وذات نتائج مباشرة، ومثار حديث وتداول سياسي.

&

ولأن الاضطرابات في الشرق الأوسط عارمة وعميقة، يبدو أن الجميع لا يزال تائهاً، ويبحث عن «حكيم» يأخذ بيديه ويدله الطريق، أو حتى يلمس بيده قلبه المضطرب، ويهدئ من روعه.

&

فما الذي يدفع الملك عبدالله لانتهاج هذا النوع من «سياسة الرسائل والكلمات»، والتي لم تعهدها السياسة العربية، ولا الدولية، فعادة ما يقوم الكتّاب والصحف بتسريب رسائل الدول من خلال أخبار أو حوارات خاصة، وهو ما تفعله السياسة الأميركية على سبيل المثال.

&

من المؤكد أن الملك عبدالله «مسكون» بعلاقته الوطيدة مع شعبه، وهو يعلم أن بينهما علاقة فريدة قلّ أن توجد بين قائد وأبنائه، ولذلك هو يخاطبه بشكل مباشر أولاً، ومن ثم تذهب توابع «زلزال» كلماته للمحيط العربي ثم الإسلامي والدولي.

&

ولقد اختار الملك عبدالله أن يوجّه كلماته هذه المرة إلى العلماء والمشايخ، ويعاتبهم بأدبه الجم، عتاب المحب الذي يعرف مكانتهم، ولكنه يعرف أيضاً واجبهم تجاه وطنهم، وبرجاء أن تكون رسالته قد وصلتهم، وفهموها، فهم كما قال المغفور له الملك عبدالعزيز: «فوق الرأس»، ولا يتمنى أحد أن يميل ذلك الرأس.

&

ولأن «عبدالله بن عبدالعزيز» ملك يعطي الدرس تلو الدرس، فهو في عتابه أرجع تأخر العلماء والمشايخ عن تناول الأخطار المحدقة بالمملكة، وتعاطف بعض أبنائها مع تنظيمات تكفيرية كفرية، وانضمامهم إلى أنشطتها، أرجعه للكسل، وليس لأن بعضهم راضون عن ذلك الفكر لا قدر الله.

&

في العام 1400هـ - 1980، انبرى الشيخ السيد محمد علوي مالكي ليدين حادثة اقتحام زمرة فاسدة من «الخوارج» للحرم المكي الشريف خلال ساعات من اعتدائهم، وهو لم ينتظر أن يعاتبه أو يطلب منه أحد ذلك.

&

وفي العام 1992، وقف الملك فهد «رحمه الله» وقبيل سفره إلى مسقط لحضور القمة الخليجية، موقفاً مشابهاً ومعاتباً لرجال المؤسسة الدينية، الذين تركوا غلمان الصحوة وقتها يتآمرون على الوطن من داخله، في وقت كانت الدولة مشغولة بحماية حدودها وتحرير الكويت من جيش صدام.

&

الدهاء السياسي الذي يتمتع به ساسة المملكة، دهاء فطري وهو يأتي من تلك الصحراء القاحلة التي نما وترعرع فيها الفرسان على مدى قرون، فهذا العقل «البدوي» يبقى متحفزاً يقظاً، ولا يخذل صحابه في الملمات.

&

اليوم يبدو أن صحراء العدوان والتيه السياسي الدولي التي تحيط بوطن الفارس العربي «عبدالله بن عبدالعزيز»، عادت لتحيط بعالمه العربي الكبير كله، وليس بوطنه السعودي فقط، وهو عاد كما - تعودناه - لفراسته وفروسيته ودهائه البدوي، الذي تتحطم أمامه كل أمواج التأمر.

&

ومن يقرأ رسالة الملك عبدالله بتمعن يجد فيها الرسائل الآتية:

&

أولاً: أن الأخطار محدقة ولا مجال للمجاملة والانتظار و«الكسل» والتسويف أمامها.

&

ثانياً: أن من لا يقف مع المملكة وطناً ومستقبلاً فلا مكان له معنا في سفينة النجاة.

&

ثالثاً: أن البقاء على الحياد هو وقوف مع الشر والظلم والتأمر، وليس مثالية تدعى، ولا تمهلاً يبتغى.

&

رابعاً: أن هؤلاء الشباب الذين يتم استقطابهم وإرسالهم إلى مواقع الفتن لم ترسلهم مخلوقات فضائية، بل أرسلهم دعاة ووعاظ هم جزء من الجسم الوعظي والدعوي في المملكة، وعلى كبار المشايخ ردعهم وإيقافهم.

&

خامساً: أن من يحرّض ويقف ويتآمر ضد مواقف المملكة لحماية نفسها، هم أيضاً دعاة ووعاظ في غالبيتهم.

&

وأخيراً، فإن الوقت لا يزال في يد الدولة تستطيع أن تتحرك لوحدها لو لزم الأمر، وهو ما فعلته خلال الأخطار المحدقة التي مرت، فالجميع يلحق بها ولن تنتظر أحداً أرهقه الكسل أو أقعده التآمر والأمنيات، فالوطن فوق الجميع، وأهم حتى من المجاملات والاحترامات التي لا تُقدر.

&


&