&&عماد المرزوقي&&
&

&كجزء من مهامه الرسمية باعتباره «خليفة للمسلمين» يبدو أن «أبو بكر البغدادي» على الرغم من الحصار الأمني المفروض عليه يقوم سرا ومع اخذ الحذر والحيطة بتفقد أحوال «الرعية» في مناطق خلافته التي يهيمن عليها تنظيم «الدولة الاسلامية» المعروف باسم «داعش» الذي بايع البغدادي أميرا للمؤمنين.

تنقلات البغدادي سربها بعض الشهود عيان لوسائل الاعلام منها التي ذكرت اخيرا أن البغدادي زار فعلا وسرا في موكب مهيب مناطق في الأنبار كما رجحت التقارير انه انتقل الى الرقة لأسباب أمنية وكذلك للاشراف على شؤون «خلافته» التي تتوسع كل يوم على الرغم من الحرب الدولية التي تستهدف «داعش».

وباعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية لـ «تنظيم الدولة» فقد بدا بروتوكول «الخلافة الداعشية» لا يختلف كثيرا عن بروتوكول الدول الأخرى وذلك من خلال قيام البغدادي وفق ترجيحات تقارير اعلامية واستخباراتية بزيارات رسمية وغير رسمية الى مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» ليطمئن على مناصريه ومريديه ومقاتليه وليشحذ هممهم ويؤازرهم في صراع دموي شديد يستبسل فيه عناصر «داعش».

وكان لا بد من دعم معنوي يقدمه البغدادي بنفسه ومباشرة لهم حتى لا يتسلل الى أنفسهم الشعور بالريبة أو الخذلان أو الهزيمة أو حتى مجرد التفكير بزوال «الخلافة» بعد إعلان الحرب عليها دوليا.

لكن بقي السؤال المهم كيف يتنقل البغدادي بين مناطق تشهد صراعات وقتال ارضا وجوا؟

وكيف يمكن له التنقل بين العراق وسورية في ظل القصف الجوي الأميركي والعراقي على مناطق سيطرة «الدولة الاسلامية» أو «داعش»؟ وهل بنى التنظيم أنفاقا تحت الأرض يتنقل من خلالها البغدادي سرا بين العراق وسورية ام انه يتنقل متنكرا ام انه يتنقل في مواكب ضخمة على غرار مواكب الرؤساء الحقيقيين.

يبدو الى الآن أن الحرس الخاص للبغدادي القائمين على حمايته وفق آخر تقارير شهود عيان عبر وسائل الاعلام اختاروا ان يتنقل «خليفتهم» في موكب مهيب مثل ذلك الذي شوهد أخيرا في مناطق في الأنبار، حيث أفاد الشهود انهم لمحوا موكباً ضخماً من السيارات وصل الى الأنبار لتأمين وصول البغدادي ليطمئن على مقاتليه هناك.

الا ان التنقل في مواكب ضخمة قد يكشف بسرعة من خلال الأقمار الصناعية ومن خلال رادارات المراقبة الجوية ومن خلال كاميرات طائرات التجسس من غير طيار. كل هذه التقنيات استعملها الجيش الأميركي لمراقبة تنقلات بن لادن وشخصيات مطلوبة اخرى منها تنقلات معمر القذافي ابان الحرب الليبية على ما رجحت بعض التقارير.

ويتنقل البغدادي بحسب شهود عيان في موكب لا يقل عن ثلاثين الى أكثر من خمسين سيارة مختلفة الأحجام والأنواع وسيارات شحن لكن حمولتها من الرجال المقاتلين والانتحاريين الذين يختارون عادة على غرار القاعدة من اشد المقاتلين لمهمة حماية الزعيم. ومعظم السيارات والاليات التي ترافق موكب البغدادي حسب التقارير المنشورة ايضا كان قد استولى عليها عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» من مخلفات الجيش العراقي وما يغنمه من معاركه المختلفة في محافظات العراق وكذلك في سورية.

ولكن اذا تم معرفة شكل الموكب فهل يعرف توقيت تنقل البغدادي؟

يبدو ان تنقل البغدادي يتم في سرية تامة حيث ان القليل على ما يبدو من عناصر التنظيم يعلمون موعد تنقله وحتى الطريق الذي يسلكه، وذلك في اطار الحفاظ على الكتمان وجعل تنقل البغدادي معلومات سرية لا يمكن البوح بها في اطار التحصن من اي محاولة اختراق بقصد التجسس او تسريب معلومات عن موقع البغدادي اكثر شخصية ارهابية مطلوبة في العالم حسب آخر التقارير الأميركية.

ويبدو ان «داعش» تتقن لعبة الاستخبارات والعمل في كنف السرية وحماية شخصياتها حيث ان الرجل الثاني في تنظيم الدولة بعد البغدادي حسب تقرير لصحيفة «التيلغراف» والذي يدعى ابو مسلم التركماني هو ضابط سابق في مخابرات جيش صدام حسين. وهذا ما قد عزز على ما يبدو أسلوب تأمين مسار تنقل القيادات «الداعشية».

وذكرت تقارير ان عناصر «داعش» قد يكونون مسلحين بأحدث الأسلحة الأميركية الصنع التي استولوا عليها من الجيش العراقي والتي قد يوظفونها في حربهم المندلعة على اكثر من جبهة كما يمكن توظيفها في تأمين حماية تنقلات البغدادي كاستخدام آليات مجهزة بقذائف مضادة للطائرات وغيرها. الى ذلك فإن المقاتلين المرافقين لموكب البغدادي يمثلون نخبة المقاتلين على غرار نهج «القاعدة» التي كانت توفر افضل الرجال لحماية تنقلات بن لادن وفق ما ذكرته تقارير استخباراتية نشرت سابقا على وسائل اعلام اميركية.

لكن هل يتنقل البغدادي نهارا ام ليلا؟

الاجابة عن هذا السؤال تبقى حيز الاحتمالات. لكن وفق دراسة تتبع القوات الأميركية لبن لادن سابقا الى حين قتله، فإن الزعماء على غرار بن لادن والبغدادي المطلوبين عادت ما تكون تنقلاتهم اكثر في الليل وذلك للاستفادة من العتمة وايضا للابتعاد عن العيون، وايضا لسهولة التخفي والتمويه. اما نهارا فيكون الوضع اصعب وتكون الخشية اكبر من أن يشي احد المارين والملاحظين لموكب البغدادي بمعلومات عن ذلك للأعداء وحينها قد يكون ذلك اكبر خطأ. إلا ان احتمال تنقل البغدادي ليلا يستند ايضا لدراسة تنقلات بن لادن المطلوب الأول سابقا للولايات المتحدة والتي رصدتها تقارير وكتب اميركية كثيرة حول مهمة قتل بن لادن، حيث ان عملية قتله كانت ليلا ومع فجر الصباح. كما أن تنفيذ عمليات خاصة او تنقل الشخصيات المطلوبة امنيا سرا يكون عادة في وقت متأخر لتقلص مخاطر المراقبة والتتبع.

الا ان هذا الاحتمال لتنقل البغدادي ليلا قد يضاف اليه احتمال تنقله نهارا ايضا وذلك من خلال نهج التمويه الذي اعتمده سابقا أيضا بن لادن في تنقلاته كأن يخرج في اكثر من موكب لتشتيت المراقبة وان يكون هناك موكب وهمي قد تلاحظه الناس اما موكبه الحقيقي قد يكون في اللحظة نفسها لكن مع تدابير امنية مختلفة لعدم اثارة انتباه الناس.

لكن اذا كان تنقل البغدادي في مناطق خلافته بين الموصل والرقة يكون بالاعتماد على ولاء مقاتليه له ووجود بعض الحاضنات الشعبية له، فإن الخطر الأكبر الذي قد يتهدد تنقل البغدادي يكون على طريق طوله حوالي 450 كيلومترا يفصل الموصل عن الرقة، حيث ان الوقت المطلوب لقطع هذه المسافة هو في حدود خمس ساعات ونصف الساعة وهذه المدة الطويلة قد تتطلب الكثير من الاجراءات الأمنية من قبل عناصر «داعش» لتأمين زعيمها.

ويبقى السؤال هل ان هذه الطريق غير مراقبة بالرادار او بالأقمار الصناعية الأميركية؟ وهل ان الجيش الأميركي يغض النظر عن موكب البغدادي ام انه لا يمكن التقاط اي صور تجسسية لمن يعبر هذه الطريق؟ ام ان «الدولة الإسلامية» بات لديها اجهزة تشويش للرادارات والأقمار الصناعية؟

&