فاتح عبدالسلام

ازدادت على نحو مثير للإستغراب دعوات إقامة إقليم للسنة في العراق وتروج قناتا الجزيرة عن وعي وتخطيط والعربية عن فوضى إخبارية واضحة لدعاة الإقليم السني من خلال ثلاث أو أربع شخصيات تدور كل يوم أو يومين هاتان القناتان على واحد من أولئك لتتركه يتحدث من دون رأي آخر في طريقة ترويجية لخلط أوراق العراق وعلى نحو لا يخلو من سذاجة في التركيب والحجج أيضاً.


دعاة الإقليم السني في عراق جريح نصفه بيد داعش ينتمي قسم منهم الى أعضاء في العملية السياسية وأخرون من خارجها الدائر في هوامشها حيناً.. وحيناً. باتوا ينشطون وتتفتح ورودهم على جراحات الملايين ومظالمهم.
الإقليم كلمة حق بات يراد بها باطل، هذا أبسط توصيف لما يحدث.


وسبب ذلك أنّ هناك مَن ينطلق من دون تفويض من أحد ، عبر مظلومية المحافظات السنية ليجعل ذلك عنواناً للمطالبة بإقامة فيدرالية خاصة بها استناداً الى نص في الدستور الذي هم أنفسهم كانوا يشتمونه ويعيبون وضعه ومواده وطائفيته ،كما كانوا يهاجمون مقترح جو بايدن حول التعامل مع العراق الثلاثي، وهذا أول تناقض وأكبره.


فضلاً عن إن أولئك استسلموا بسهولة للموجة العالية وأسقطوا فكرة التعايش بين أبناء العراق بسبب تصرفات طائفية يرتكبها سياسيون وأمنيون ضالون مهما كبرت عناوينهم من تلك الطائفة الأخرى لأهداف خاصة ، بات دعاة الإقليم السني منساقين وراءها ومستسلمين لنتائجها من دون أن يفكروا ماذا يمكن أن يصيب العرب السنة في بغداد مثلاً. هل يعدون لتهجير مَن تبقى من السنة هناك ليكملوا مشروع أبي بكر البغدادي بأسلوبهم الخاص الذي هو نتاج دفع خارجي، ممول ومدعوم إعلامياً. إنها موجة عالية حقاً لكنها ومن اسمها موجة وستهمد أو تنهار بمن حملته معها.


قد يكون بين دعاة الإقليم السني مَن تنقصه المعلومات الصحيحة أو الارادة في البقاء ضمن عراق واحد. وقد يكون بينهم من ينتهز الفرصة عبر الزاوية الميتة لخطف زعامة عبثية. و يريد المقارنة مع فيدرالية كردية مستحقة لأسباب عميقة.


في حين انه ينطلق من نزعة عشائرية ذات تلوين ديني حزبي تعامل أهل السنة جميعاً كأنهم لا يمتون بصلة الى عالم المدنية ومن السهل اخضاعهم الى أعراف عشائرية وأنظمة أحزاب دينية رأينا ما فتكت به في مصر وليبيا، تكون بديلاً لقواعد اقامة المدن والبلدان.


الظلم ليس سبباً كافياً للتصرف بطريقة تسيء الى مفهوم الاقليم الذي نحتاجه فعلاً في العراق لمرحلة مقبلة بعد الاستقرار المديني والتشريعي الكامل في البلاد. الإقليم ليس غنيمة يمكن أن يظفر بها بعضهم في ظل ظروف قهرية تعاني منها ست محافظات بل العراق كله.


كما إن الاقليم القائم أزاء وضع شاذ وغير مستقر في بغداد لن يوفر حماية لأبناء الاقليم بل سيزيد من معاناتهم . وهذا الاقليم الكردي أمامنا أكبر دليل على أنه لم يكن في منأى عن الصراع مع بغداد في قضيتي الثروة والسلطة برغم كل الاعتبارات التاريخية التي يتمتع بها الاقليم الكردي منذ ربع قرن.


مَن يريد النجاة لأهل السنة كما يروج هؤلاء عبر الجزيرة والعربية عليه أن يدرك أن نجاة الأجزاء تكمن في نجاة العراق كله، ومن الخطيئة الكبرى الاستسلام لوضع شاذ وطاريء سبق أن مر العراق بمراحل مشابهة من التشرذم وخرج منها معافى .
&