محمد الساعد

في أواسط عام 2013 نشرت صحف غربية تسريبات عن مصادر مخابراتية شرق أوسطية، أن السعودية انسحبت من غرفة عمليات جنوب تركيا المسؤولة عن دعم الثورة السورية، وحماية اللاجئين، مر الخبر عابراً، لكن خلفياته كانت أعمق بكثير.

&

فقد لاحظ السعوديون أن «دولتين» من دول الإقليم والموجودتين ضمن غرفة العمليات المشتركة، تقومان بدعم جناح متطرف وتنميته بطريقة غير بريئة، والدفع به ليتسيد مشهد الثورة السورية، وأن التقارير الواردة تؤكد أن ذلك الدعم في غير مصلحة الثورة، ويجعلها رهينة في أيدي الجماعات المتطرفة، وسيسحب التعاطف الدولي معها.

&

لقد كانت تلك الجماعة هي «داعش»، وما حذّرت منه المملكة حصل.

&

قبل أكثر من 12 عاماً صدمت السعودية في الـ11 من سبتمبر من عام 2001، أكثر من غيرها بوجود 15 شاباً من أبنائها بين الانتحاريين الإرهابيين، الذين فجّروا في الولايات المتحدة الأميركية وأطاحوا بهيبتها وأمنها.

&

لم تكن المفاجأة في وجود 15 شاباً، ولا صغر سنهم، بل كانت في تعمد من أرسلهم أن يكونوا بهذه الكثافة «السعودية»، وفهم حينها السياسي السعودي الرسالة تماماً، وعرف أن الموضوع في أساسه توريط السعودية كدولة، والدفع بها للمواجهة غير المتكافئة مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب.

&

وعلى إثر ذلك عملت السعودية على القيام بمراجعات شاملة لكل محركات التطرف الداخلية، من المناهج ودور أئمة المساجد والتبرعات، ومروراً بالدور الخفي الذي يلعبه كثير من الوعاظ في نشر التطرف بدلاً من التسامح، والدفع بالشباب نحو مواقع الفتن، إضافة إلى محاولتهم الدائمة لضرب الوحدة الوطنية من خلال التصنيف والتكفير والطائفية المقيتة.

&

اليوم أيضاً تقول التقارير إن هناك بضعة آلاف من الشباب السعوديين يعملون ضمن تنظيم داعش ما بين سورية والعراق، ويقوم أولئك الشباب بأبشع جرائم الذبح والترويع.

&

السؤال الكبير هو: لماذا يصر بعضهم من داخل المملكة –كُتاباً ورجال دين- ومن خارجها على ربط جرائم «داعش» اليوم بالسعودية، ولماذا يصرون أيضاً على إفشال النأي عن «داعش»، وهل هي فعلاً نتاج أدبياتنا؟

&

في ظني أن الأمر يهدف في نهاية الأمر إلى هدم الدولة السعودية من خلال تهيئة المناخ لربطها بواحدة من أبشع الجماعات المتطرفة فكراً وفعلاً، ولم يكن أبداً مماحكات سياسية معتادة، وهو لذلك يحتاج إلى خطوات أخرى عاجلة.

&

الأول: أن المراجعة للأدبيات الدينية والثقافية التي بُدئ بها بعد عام 2001، لم تستكمل، ولا بد أن تعود وبعمق أكبر، وحتى مراجعة الأحداث التي سبقت، مثل «جهيمان»، أو ما سبقها من أحداث رُبطت بـ«الإخوان» أو «المديَنة».

&

ثانياً: العودة إلى العمل الديبلوماسي خارجياً والشعبي داخلياً، فكل مراقب يستطيع أن يرى أن هناك سعياً حثيثاً لربط داعش بالمملكة، بينما الوقائع تؤكد أن «داعش» هي خليط مخابراتي، غُذي بمكونات فكرية متطرفة منها «أدبيات السلفية الجهادية، وتنظيرات القاعدة، وفكر الإخوان ولاسيما سيد قطب»، ولذلك فهذا الخليط أنتج واحدة من أبشع الجماعات التي ظهرت في التاريخ الإنساني كله.

&

ثالثاً: يجب أن يعلن للجميع أنّ مَنْ كوّن «داعش» وموّلها هما «دولتان» معروفتان في الإقليم، وأن السعودية انسحبت قبل أكثر من عامين احتجاجاً منها على قيام تلك «الدولتين» بدعم «داعش»، وأكدت حينها أن ذلك الدعم سينقلب إلى كارثة على أيدي أولئك المتطرفين.

&

رابعاً: السعودية يجب أن تستكمل التحرك الديبلوماسي البارع، والالتفاتات السياسية التي قامت بها أخيراً إثر كلمة الملك عبدالله، فالنار لم تخمد بعدُ، والخطر محدق بنا من «دواعش الداخل» كما «دواعش الخارج».
&