حسين شبكشي

لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه، وأصبحت الأسرار من أوهام الماضي تماما؛ فاليوم الإعلام الجديد بأدواته ووسائله المختلفة لا يبقي أي أثر لشيء كان يسمى ذات يوم بالخصوصية.


الخبر مهما كان خاصا وسريا ينتشر بسرعة البرق حول العالم.. الاختراقات لحسابات الدول والشركات والأفراد سواء كانت حسابات شخصية إلكترونية أو مصرفية باتت مسألة اعتيادية جدا. وها هي الفضائح والتسريبات تملأ صفحات الأخبار بشكل يومي لا ينقطع. المعلومة قديما كانت نخبوية ومرتبطة بالقدرة والمكانة المالية لصاحبها، فكان يجب أن يكون لديك دخل محترم وأن تكون ميسور الحال لتتمكن من الحصول على جهاز الراديو ذي الحجم الكبير حتى يصل إلى إرسال المحطات العالمية مثل «بي بي سي» و«صوت أميركا» وغيرهما، أو أن يكون لديه القدرة على الاشتراك في الصحف والمجلات العالمية أو تركيب الصحن اللاقط العملاق لمشاهدة البث الفضائي للقنوات التلفزيونية العالمية.

اليوم تغير الحال وأصبحت هناك «شعبوية» للمعلومة وللخبر ومشاركة أممية بلا حدود للحدث بشكل عاجل وفوري عن طريق جهاز الهاتف الجوال الذي تحول إلى أداة تمكين غير اعتيادية منحت من يستخدمها بعقلانية ومسؤولية حسا غير عادي من الثقة والقوة وطبعا للمستهترين بها تظهر نتائج الفوضى بسببها، كل ذلك الأمر جعل الإحساس بالتواصل العالمي مسألة طبيعية، وهناك الحس الإنساني المشترك الذي يبرز في «المأتم العالمي» الذي يحصل حينما يتم الإعلان عن وفاة إحدى الشخصيات العالمية، مثلما حصل مع مطرب البوب الأميركي الراحل مايكل جاكسون الذي كان حدثا استثنائيا بكل المقاييس لظروف وفاته الصادمة لقاعدته العريضة جدا من محبيه حول العالم، وكذلك كان المشهد «العالمي» حزينا للغاية وهو يودع رجل الأعمال والاختراعات المبهرة ستيف جوبز الذي يشعرون منه بقرب استثنائي يكاد يكون حقيقيا لأنهم يستخدمون في حياتهم اليومية معظم الأجهزة التي اخترعها وروج لها بشغف طول عمره.

وكذلك ما حدث حين وفاة الزعيم الأفريقي الكبير نيلسون مانديلا، ذلك الرجل الفذ الذي أجمع العالم كله على محبته واحترامه وتقديره لأنه ضحى بالكثير لأجل مبادئه العظيمة وخرج كمثال حي من سجنه على كل معاني وقيم النبل والسمو والتسامح فاستحق حزن العالم أجمع على رحيله بعد حياة مليئة بالإنجازات والتقدير.

ومؤخرا ها هو العالم يشارك في مأتم جماعي آخر وهو الرحيل الصادم لنجم الكوميديا الأميركي روبن ويليامز بعد انتحاره نتيجة إصابته بالاكتئاب النفسي الحاد، وهو الذي أسعد وضحى بفنه لأجل إضحاك الملايين وانتهى نهاية مأساوية مثله في ذلك مثل الكثير من نجوم الكوميديا الذين قضوا في ظروف أقل ما يقال عنها إنها مأساوية جدا وحزينة للغاية.


الإحساس «بضرورة» وأهمية «المشاركة» في المأتم العالمي والإحساس بوجوب التعبير عن الحزن و«مآثر» الفقيد الراحل بأي صورة، أصحبت أحد مظاهر عولمة قنوات التواصل الاجتماعي، فالمغيب وغير المشارك في هذا الحدث يشعر بالعيب والضعف أو حتى النقص إذا لم يفعل ذلك، وهو يعد التعبير عن ذلك حالة من الانتماء يعبر بها بطريقته في جو عالمي مبهج مثل احتسائه لقهوة من «ستاربكس» أو ارتدائه لحذاء «أديداس» أو استخدامه لجهاز «آي فون».. كلها تعطيه الإحساس بالانتماء للأسرة العالمية الكبرى، وهذا قد يكون من أهم نتائج التواصل الاجتماعي الجديد حتى ولو كان ذلك على شكل مآتم عالمية يشارك فيها ذوو الراحل بالملايين حول العالم!