&لا تساور أوساط سياسية عديدة في فريقيْ «14 آذار و8 آذار» مخاوف جدية من امكان بلوغ الأزمة السياسية والدستورية في لبنان حدود تهديد نهائي لكلّ تركيبة النظام الدستوري على ما توحي بعض المؤشرات التي لاحت في الفترة الاخيرة.

ومع ان هذه الأوساط لا تخفي عبر «الراي» واقع ان لبنان يجتاز أشدّ المراحل خطورة في وضعه الداخلي منذ بدء تنفيذ اتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب اللبنانية، فإنها تعتقد ان كثيراً من ظواهر أزمته الراهنة قد يكون مفتعلاً بدوافع الصراع الداخلي ولعبته أكثر مما هو على تماس مباشر مع الصراعات الخارجية، ما يبقي هامش التسويات الداخلية قائماً في نهاية المطاف.

وفي هذا السياق تدرج الأوساط مسألة التمديد لمجلس النواب والتجاذبات التي بدأت تثيرها في إطار فتح «بازار» واسع من المواقف الضاغطة سعياً الى إتمام تسوية سيكون من شأنها تكريس التمديد للبرلمان في مقابل تمكينه من استعادة عمله التشريعي ومعالجة ملفات اجتماعية واقتصادية ضاغطة.

وتقول الاوساط نفسها ان الايام الاخيرة شهدت فتْح المعركة الفعلية لتمرير التمديد وهي معركة شاقّة لجهة توزيع الأثمان والأدوار في تمريرها وستأخذ وقتاً غير قصير حتى الموعد المبدئي للانتخابات النيابية في نوفمبر المقبل. وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري ينبري لإقناع الأطراف بجديته في رفض التمديد، فان الأوساط تؤكد ان «تكبير حجر» بري يرمي الى الوصول بالوضع الى حافية الهاوية من دون السقوط فيها للضغط على فريقين على الأقل هما «تيار المستقبل» (بقيادة الرئيس سعد الحريري) والقوى المسيحية في فريقيْ «8 و14 آذار» لان كلاً منهما يحرج بري بدوافع خاصة بحسابات كل من هؤلاء بما يدفع بري الى مجاراة هذا الواقع بالمضي بعيداً في التلويح بإمكان حصول فراغ مجلسي بعد الفراغ الرئاسي.

وتبعاً لذلك فان الافرقاء المنخرطين حالياً في المعركة المباشرة مع التمديد او ضده يمهّدون المشهد لفصلٍ قد يتسم بخطورة عالية ظاهرياً، ولكن على أمل انتظار اكتمال صفقة داخلية تمليها خطوط حمر لا تزال مرسومة للواقع اللبناني وتمنع اي فريق، اذا صحّ ان له قدرة على الخربْطة، من تجاوزها. كما ان الآمال الداخلية لدى كل الأطراف في امكان تلقي لبنان نسائم تثبيت للستاتيكو القائم على الأقل قد ارتفعت عقب التسوية السياسية العراقية ولو في شكل نسبي.

وتقول الاوساط ان ثمة اقتناعاً شبه عام بان لبنان لن ينزلق الى متاهة إلحاقه بما يجري في العراق وسورية بشكل كامل. وهذه القناعة تنامت بعد أحداث عرسال التي على خطورتها أثبتت أمرين: ان الرعاية الدولية للبنان هي أمر ثابت مختلف عن الواقعين السوري والعراقي بدليل الدعم الفوري للجيش اللبناني، وان هجمة «داعش» لا تلحظ لبنان في أجندة هذا التنظيم وإلا لكانت الهجمة الشرسة تواصلت بأشكال متنوعة.

وتعتقد الاوساط عيْنها ان الأشهر الثلاثة المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية ستشهد مماحكات داخلية متعاقبة بفعل التداخل بين أزمة الفراغ الرئاسي والاستحقاق النيابي. ولكن احتمال التسوية سيبقى أقوى في النهاية لان المجتمع الدولي قد وضع لبنان اخيراً على مرتبة أكثر تقدماً في أولوياته عقب أحداث عرسال ولا يريد تمدُّد شرور المدّ الاقليمي الى لبنان لعوامل كثيرة خصوصاً على مشارف تغيير كبير يلوح في العراق.

ومع ان المشهد الحالي لا يخفي تعقيدات كبيرة في مسألة التمديد لمجلس النواب او في مسائل وملفات اجتماعية وأمنية، فان الأوساط المعنية لا تظهر تشاؤماً بالقدر الذي يتعمّد بعض الاطراف إشاعته في لعبة المناورة على حافية الهاوية.

وفي موازة ذلك، شكّلت زيارة السناتور الأميركي من أصل لبناني داريل عيسى لبيروت مناسبة لتأكيد موقف الولايات المتحدة الداعم للجيش والقوى الأمنية اللبنانية.

وقد حمل عيسى هذا الموقف الى كل من رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة تمام سلام، مع التشديد على أن الرئيس الأميركي باراك اوباما والمسؤولين في الخارجية والبنتاغون على استعداد كامل، وهم ينسقون لتوفير الدعم الذي يحتاجه الجيش اللبناني لدعم سيادة بلده، وهم يلتقون بذلك مع الدعم السعودي، ودعم حكومات أخرى.

وأشارت تقارير الى ان الخلاصة نفسها نقلها عيسى الى كل من رئيس «كتلة المستقبل» فؤاد السنيورة والامانة العامة لقوى «14 آذار» التي سمع القيمون عليها مخاوف السناتور الاميركي استمرار الشغور الرئاسي في لبنان ولا سيما في ظل ما يجري في المنطقة.

وترافقت زيارة عيسى مع تزخيم الاستعدادات الاميركية لإنجاز صفقة الاسلحة التي طلبتها قيادة الجيش اللبناني والتي كان اعلن عنها السفير ديفيد هيل قبل ايام وتشمل ذخيرة اضافية وعتاداً لعمليات الجيش القتالية الهجومية منها والدفاعية «بما يعزز قدرته على تأمين حدود لبنان، وحماية شعبه ومحاربة الجماعات المتطرفة العنيفة».

وكشفت معلومات في بيروت ان هذه المساعدات سترسل الى بيروت في غضون اسابيع.

&