محمد كريشان

لغزمحير… كابوس مرعب… مؤامرة معقدة. عن أحد هذه الاحتمالات أو عنها مجتمعة لم يخرج تقييم ما يجري في العراق و سوريا من تمدد مخيف لتنظيم «الدولة الإسلامية» خاصة بعدما بات يسيطر وفق التقديرات على زهاء الـــ 35٪ من الأراضي العراقية و 30 ٪ من الأراضي السورية. و في كل الأحوال لا من تحدث عن لغز إستطاع أن يفكك بعض طلاسمه، و لا من ارتعب من الكابوس أفلح في التبيان العملي لما يمكن أن يحدث جرّاءه، و لا من يؤمن بالمؤامرة نجح في فضح مقنع لخيوطها.


المشكل هنا أن المراقب كلما أمعن في محاولة فهم الظاهرة ازداد تشوّشه خاصة عندما ينتقل في رحلة بحثه عما يشفي الغليل بين التفسيرات التاريخية و الاجتماعية والثقافية لظاهرة التطرف الدموي باسم الدين، وبين شروح الخبراء والمحللين السياسيين للواقع على الأرض و بين المواقف الرسمية الإقليمية و الدولية تجاهه. مع ذلك، هذه المسالك كلها تجمع على ثلاث نقاط رئيسية سيقت كالتالي:
أولا: أن المعركة مع هذا التنظيم طويلة و لا ينتظر حسمها في القريب.


ثانيا: التنظيم لا يشكل خطرا على العراق و سوريا فقط بل يهدد العالم أجمع.


ثالثا: لا مجال للقضاء على هذا التنظيم دون أوسع تحالف دولي ممكن.


الملفت أن لا نقطة من هذه النقاط تبدو الآن محل معالجة جادة، أقله من وجهة نظر الرأي العام المرعوب مما يجري. فيما يتعلق بطول المعركة، تبدو الأمور و كأن هناك رغبة في التطويل أكثر منه العجز عن الحسم سواء من الولايات المتحدة أو من حلفائها. على سبيل المثال، واشنطن توجه الآن ضربات جوية لقوات «تنظيم الدولة الإسلامية» لكنها لم تفعل ذلك إلا عندما اقترب من إقليم كردستان العراق و لا تبدو مصرة على مواصلة ضربه إن هو انكفأ. لقد كان ملفتا أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق نيكولاس بيرنز على سبيل المثال لم يجد للرد على «السؤال الكبير المطروح الآن أمام الولايات المتحدة إذا ما تمكنا من صد ووقف داعش هل يمكننا دفعهم إلى مزيد من التراجع وطردهم خارج العراق» سوى القول إن « ذلك سيكون أمرا مختلفا لأن داعش لديها الكثير من الأموال ويمكنها الحصول على قوة نارية وأسلحة ولديها آلاف العناصر التي تم تجنيدها». و اعتبر بيرنز أنه يتفهم ما قاله الرئيس أوباما بأن إضعاف داعش وهزيمتها في العراق قد يستغرق أشهرا «لأننا نستخدم كمّاً محدودا وتكتيكيا من الهجمات الجوية» و أنه إذا ما كان الهدف هو محاولة هزيمة هذا التنظيم فإن ذلك يعدّ «تحديا متعدد الجوانب» لا تبدو واشنطن مستعدة الآن لخوضه.


أما القول بأن «تنظيم الدولة الإسلامية» يشكل خطرا على العالم كله إلى حد حديث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه قد يصل شوارع بلده إن لم يحارب في مهده فقول لا يجد، في الوقت الحاضر على الأقل، ما يدعمه بقوة لأن التنظيم على ما يبدو مقر العزم على أن يُـعمل سيفه في رقاب المسلمين من «الكفرة و المرتدين» و معارضي مبايعته في العراق و سوريا أكثر مما هو منشغل بغيره . هنا تبدو الأمور للأسف على النحو التالي: ما يزعج الغرب ليس دق أعناق المسلمين من قبل التنظيم و إنما اقترابه من غير المسلمين أو من مناطق استراتيجية حيوية ككردستان العراق. و في كل الأحوال فالحديث عن انتقال التهديد إلى الغرب أو الولايات المتحدة يبدو ضعيف الإحتمال أو حتى مهولا لأغراض غير واضحة حاليا.
&

ويبقى موضوع التحالف الدولي الواسع المنشود لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» هو الخيار الأكثر استبعادا حاليا في ظل الحماسة المحسوبة بعناية لكل من واشنطن و لندن لتجنب تورط جديد في العراق و في ظل استنكاف قوى دولية كبرى أخرى عن مشاركتهما هذا العبء لوجود ملفات أخرى عالقة بينها وبين الولايات المتحدة و أوروبا. في هذه المسألة تحديدا وجدت بثية شعبان مستشارة الرئيس بشار الأسد الجــــرأة لتقول إن «الرد على داعش لا يكون بغارات محدودة قرب أربيل، ولكن الرد المناسب يكون من خلال ائتلاف دولي يتكون من الصين وروسيا وأمريكا وأوروبا لمحاربة هذا التسونامي الفظيع الذي يجتاح المنطقة لأنه يشكل خطرا على العالم بأسره». السيدة شعبان وجدت أيضا ما يمكن وصفه بأكثر من الجرأة لتقول إن «الغرب يأخذ وقته لأيام وساعات لدراسة قضية حساسة كهذه فيما آلاف الناس يموتون»، لافتة إلى أن «المسألة مسألة وقت وعلى العالم أن يسمع لنا ويتحرك»!.


هذا العالم لو كان يسمع أو يتحرك لسمع ما كان يجري في سوريا و لتحرك لوقفه. لو فعل ما كان ليجد نفسه الآن في هذا الوضع. هذا ما اعترفت به على الأقل مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة نفسها هيلاري كلينتون. و لكن متى … بعد فوات الأوان!