حسين حافظ
&
استهلال رائع وترحيب دولي وإقليمي بتولي الدكتور حيدر العبادي منصب رئيس وزراء العراق للفترة الدستورية المقبلة، وأعتقد أنها بداية جيدة لا بد وأن تستثمر لتغيير واقع وآفاق العلاقات العراقية الدولية والإقليمية التي أصابها العطب طوال فترة تولي المالكي للسلطة في العراق، وإذا ما تم استثمار ذلك جيداً فإنه بالتأكيد سينعكس بشكل إيجابي على مسيرة الحكومة الجديدة وسيتم تذليل الكثير من العقد على مستوى الداخل العراقي الذي يعاني المحن على أكثر من صعيد .
&
ومن الدروس المهمة التي ينبغي استخلاصها من تجربة حكم المالكي هي إخفاقها الشديد على مستوى الأداء الداخلي وبنفس القدر على مستوى علاقات العراق الخارجية، ويرتبط ذلك بالنشأة وتسلم المناصب الحكومية بالصدفة فضلاً عن أسباب أخرى لا مجال لذكرها .
&
تجربة حكم المالكي وقد شارفت على الانتهاء أو أنها انتهت فعلاً هي من أسوأ الحقب السياسية في تاريخ العراق المعاصر لأنها انتهت إلى تمزيق خريطة العراق السياسية والمجتمعية وأفضت إلى خروج نصف مساحة العراق عن سيطرة الدولة العراقية، ف"داعش" تمددت في أربع محافظات رئيسية هي الموصل أكبر محافظات العراق بعد بغداد وجزء كبير من الأنبار وصلاح الدين وديالى والقتال الآن على مشارف بغداد في اللطيفية وجرف الصخر اللذين لا يبعدان عن بغداد سوى عشرات الكيلو مترات، وإقليم كردستان المستقل من حيث الواقع قد ضم كركوك المستودع النفطي الهائل إلى جغرافيته السياسية، ووفقاً لذلك لا معنى أن تكون بغداد عاصمة للعراق من الناحيتين السيادية والسياسية على حد سواء .
&
كان إصرار المالكي على البقاء لولاية ثالثة كان يعني بكل تأكيد تفكيك ما تبقى من جغرافية العراق في الوسط والجنوب، وهي المهمة التي لو قدر للمالكي البقاء لتمت بامتياز نادر، ولتم استكمالها بشكل مؤكد، لكن الطريق إليها قد قُطع بترشيح العبادي لرئاسة الوزراء والمالكي في محاولاته التشبث بقرار المحكمة الدستورية كان يخاطر بمستقبل حزبه الذي سارع للتخلي عنه في اللحظات الأخيرة، تاركاً له الخيار في مواجهة العديد من الملفات التي ستفتح ضده على قاعدة فتح نار جهنم التي هدد بها في مواجهة معارضيه .
&
وحقيقة الأمر هي أن المالكي يرضخ في النهاية للإرادة المحلية والإقليمية، وهو بهذا الشان يتماهى ما ذهب إليه الملك الفرنسي المعروف لويس الرابع عشر حين كان يردد على الدوام (الدولة أنا) وحين بادرته المنية قال قولته الشهيرة سأرحل وتبقى الدولة .
&
فالمالكي في نهاية المطاف رحل من رئاسة الحكومة، لكن الدولة العراقية الممزقة ستبقى عبئاً لوقت غير قصير ليس على الدكتور العبادي فحسب بل لأجيال أخرى من السياسيين العراقيين، وعلى شاكلة ما خلفه بوش الابن من أعباء على الولايات المتحدة ما زال الرئيس أوباما ينوء بحملها .
&
إن المسؤولية الوطنية والأخلاقية المترتبة على قبول الدكتور حيدر العبادي التصدي للمرحلة المقبلة هي البدء بإعادة ترميم الثقة المفقودة بين أطياف المجتمع والعملية السياسية الجديدة، وتجاوز السياسات التي خلفتها مرحلة المالكي في التعامل مع الشريك العربي، وأن صوابية السلوك لا بد وأن تنطلق من قبول فرضية أن هناك مظالم ينبغي ردها على قاعدة التساوي في المواطنة حقوقاً وواجبات، وأن البدء بهذا هو الانطلاق من مصالحة حقيقية ترسي دعائم المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، وتنفيذ مجمل المطالب التي نادى بها المعتصمون في المحافظات المنتفضة، والمباشرة بإصدار عفو عام لمن لم يشترك في العمليات الإرهابية، وتعديل المادة الرابعة إرهاب التي كانت سيفاً مسلطاً على رقاب المعارضين للسلطة السياسية، وإعادة النظر في قانون اجتثاث البعث سيئ الصيت الذي كان مزدوج المعايير في التعامل مع القيادات البعثية المنحلة، ومن ثم في النظام الفيدرالي الذي يستند إلى الدستور والذي ظل حكراً على المحافظات الكردية دون سواها من المحافظات العراقية الأخرى، ومن ثم البدء بإعادة بناء القوات المسلحة على أسس مهنية وعلمية تتجاوز قانون الدمج الذي أفضى إلى تولي قيادات حزبية لمناصب عسكرية قيادية، ومن ثم إعادة النظر في المليشيات التي تحمل السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، وحصر السلاح بيد الدولة، والبدء بإرساء دعائم القوانين المتعلقة بالنفط والغاز وطبيعة العلاقة بين نفط كردستان وسواه من المناطق المنتجة للثروات النفطية الأخرى والانطلاق فوراً في معالجة الخدمات الأساسية المتعلقة بمعالجة مشكلة الكهرباء وسواها من الخدمات المعطلة التي باتت مزمنة وإنهائها بشكل جاد .
&
كذلك معالجة مشكلة البطالة المتفاقمة بين صفوف الشباب لا سيما الذين يحملون شهادات جامعية، تلك التي تتطلب وضع آليات علمية وموضوعية والانطلاق بها وفقاً لخطة خمسية علمية ومدروسة .
&
وبغير ذلك فإن مرحلة العبادي لن تكون إلا استكمالاً لمرحلة رفيق دربه وزميله نوري المالكي .