الياس الديري

الصمت العالمي والغياب التام للمجتمع الدولي عن المآسي والكوارث التي يُبتلى بها المشرق العربي ليسا جديدين. وكذلك الصمت العربي الذي اعتاده لبنان، والذي تخترقه دائماً المملكة العربيَّة السعوديّة، وتكون سبّاقة في تقديم كلّ مساعدة ممكنة.


إلا أن الحال اختلف كثيراً مع حروب الدمار والمجازر التي أنتجتها المواجهات بين الجيوش والميليشيات والتنظيمات التكفيرية الإرهابيَّة، وكان من الطبيعي أن تكلِّف سوريا والعراق بصورة خاصّة، ما لا يمكن إصلاحه أو تعويضه، بشريّاً واقتصاديّاً وعمرانيّاً وتاريخيّاً وأثريّاً، فضلاً عن الانقسامات العميقة الجروح والأذى.


حتماً، من دون تجاهل التبِعات والذيول والتداعيات التي أرْخَت بأثقالها على عاتق لبنان الذي يكاد يخسر مبرّر وجوده المتمثَّل بصيغة تضمّ تحت سقفها ثماني عشرة طائفة، إلى نظام ديموقراطي برلماني استطاع استيعاب كل التناقضات والحساسيّات الطوائفيَّة والمذهبيَّة.


أما بالنسبة إلى الذيول، فيكفي القول إن ما ينوف على مليون ونصف مليون لاجئ سوري قد حلّوا في الجغرافيا التي لا تتعدّى مساحتها حجم مزرعة خاصّة في أميركا الجنوبيَّة، حتى في بعض الدول الأوروبيَّة.


لكن العالم ليس عقلاً، كما يقول الكاتب السعودي الشيخ عبدالله القصيمي. وخصوصاً بعد انضمام هدايا "داعش" أو "الدولة الاسلاميَّة" إلى الحملة الهمجيَّة، التي تستهدف الوجود المسيحي في هذا المشرق بصورة واضحة وصريحة.
المخيف والمرعب أكثر من الإجرام الداعشي هو الصمت الدولي العالمي المحلِّي. صمت المجتمع الدولي. صمت الشرعيَّة الدوليَّة. صمت مجلس الأمن. صمت الإعلام الدولي الذي حرَّكه أخيراً الأسلوب الوحشي الذي قُتِل به الصحافي الأميركي جيمس فولي.


صحيفتان تبرّعتا بموقفين يعبّران بدورهما عن الدهشة من انعدام أي ردّ فعل دولي إزاء خطورة الحملة الاقتلاعيَّة التي يتعرَّض لها المسيحيّون في المنطقة العربيَّة وبعض بلدان أفريقيا:
"النيويورك تايمس" التي تساءلت، تحت عنوان "صمت العالم"، لماذا يسكت العالم عن الإبادة التي تستهدف المسيحيين في الشرق الأوسط وإفريقيا؟


طوائف مسيحيّة كاملة تجرفها حملات الخطف والقتل الجماعي على أيدي تنظيم "بوكو حرام" في إفريقيا، مع الطرد المتواصل هنا وهناك، مع إشارة إلى الاضطهاد الذي يعانيه المسيحيّون بدءاً من لبنان حتى السودان. لا، لم يتحرَّك العالم احتجاجاً على المذابح التي يتعرَّض لها المسيحيون.


أما جريدة "الموند"، فقد أطلقت صرخة بعنوان "اوقفوا الإبادة"، ونشرت عريضة وقّعها عدد كبير من المثقّفين والأكاديميّين في أوروبا، مرَّت بإبادة المسيحيين في زمن السلطنة العثمانية، لتصل إلى اليوم في القرن الحادي والعشرين حيث يُعيد التاريخ نفسه.


مع دعوة المجتمع الدولي إلى تطليق الصمت وبذل الجهود.