مشاري الذايدي

أسرع وأصعب امتحان يواجهه رئيس الوزراء العراقي الجديد (حيدر العبادي) هو كيفية الرد على المجزرة التي وقعت في مسجد بعقوبة بمحافظة ديالى. المجزرة راح ضحيتها نحو 70 شخصا على الأقل، وأصيب العشرات في هجوم داخل مسجد مصعب بن عمير في قرية إمام ويس في بعقوبة.


الاتهامات توجهت فورا لميليشيات عصائب الحق الشيعية، وربما غيرها، أو مع غيرها، وحسب النائبة العراقية، ناهدة الدايني، فإن ميليشيات شيعية شنت الهجوم على المسجد، انتقاما لتعرض عدد من قيادييها لهجوم.
وهناك من قال، من ضباط الجيش، إن الهجوم من عمل «داعش» انتقاما من أهالي القرية «السنة» الذين رفضوا مبايعة «داعش».


العبادي يملك دعما جماعيا له، في الداخل والخارج، وهو جاء عبر توافق إقليمي نادر الحصول في العراق، حيث باركت إيران والسعودية اختياره، بعد العهد الكارثي لسلفه نوري المالكي، وكلاهما من حزب الدعوة الأصولي، كما جاء بدعم دولي ثقيل على رأسه أميركا والاتحاد الأوروبي، ولا نغفل الدعم التركي المهم أيضا.


الكرد والعرب والشيعة والمرجعية الدينية السيد السيستاني، وحزب الدعوة، والتحالف الشيعي، كلهم مع نجاح العبادي في تسيير الدفة العراقية، والخروج من الحفر الأمنية والسياسية التي يتعثر بها العراق الآن.
مع دعم كهذا لا عذر للسيد العبادي في التقاعس والتسويف، هو يدير حكومة أزمة، وعليه العبور بسفينة العراق من أمواج الطائفية ودوامة «داعش» السوداء. لأجل هذا كله، وبسبب هيجان المشاعر الطائفية، يجب عليه أن يبادر للتعامل مع مجزرة مسجد بعقوبة، بسرعة وحزم، والأغلب هو أن من قام بهذه الجريمة قتلة من الشيعة، وعليه أن يثبت لشركائه السنة أنه رئيس لكل العراقيين، وكما أن «داعش» عدو لكل العراقيين، فإن عصائب الحق أو غيرها من الميليشيات الشيعية ستعامل بالمثل.


لو بادر وفعلها سيكون هذا أكبر معين له في كسب الحلفاء ورفع مستوى الثقة الوطنية به وبرؤيته ونيته، أما لو جرت التغطية على الجريمة أو التقليل من شأنها، كما كان يفعل سلفه المالكي، فقل على الدنيا السلام، وستعود نفس مشكلة المالكي من جديد، ولو بعد حين. هنا تظهر معادن القادة الحقيقيين، الذين يقدمون الصالح العام على حسابات الحزب وكوادر الحزب.


الرجل أظهر حتى الآن بعض ملامح الثقة، ومن ذلك رفضه لنصائح سلفه نوري المالكي، حول تشكيل الحكومة، حيث كشف العبادي عن ثقته بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة بتوافق سياسي طبقا للمهلة الدستورية 10 سبتمبر (أيلول). المالكي نصح خلفه العبادي بتشكيل حكومة «أغلبية سياسية» لا توافق سياسي، وهي وصفته المثالية للدمار الذي جرى.


أقطاب الساسة في العراق، يراقبون نهج العبادي، سليل حزب الدعوة، وكيف سيختلف مع المالكي، في الرؤية والأسلوب والثقة. القيادي السني صالح المطلك تحدث عن ضمانات دولية ومكتوبة يجب الحصول عليها من العبادي.
المالكي ضيع فرصة تاريخية تجعل اسمه محفورا بسجل المجد العراقي، فهل يفلح العبادي حيث أخفق المالكي؟