غازي العريضي

لسنوات ثلاث لم يتمكن مجلس الأمن من اتخاذ قرار بشأن سوريا إلا في مواجهة حالات إنسانية، ومع ذلك لم ينفذ القرار الذي اتخذ. المسألة سياسية، وثمة من يحمي النظام ويستخدم حق «الفيتو» في المجلس رغم كل ما قيل عن المجازر بحق الناس والتطهير العرقي واستخدام السلاح الكيمائي! النظام كان منذ البداية يعتبر أن حربه هي مع الإرهاب. يتنكر لوجود معارضة شعبية بدأت واستمرت سلمية لأشهر قبل أن تضطر إلى الردّ على القمع الأمني الذي استهدفها بسبب قرار النظام المواجهة الأمنية مهما كان الثمن. وثمة في المقابل من رفض منذ البداية دعم المعارضة، ثم استغل ظهور حركات التطرف، ليبررّ أكثر رفضه بالقول إنه يخشى وقوع السلاح في أيدي هذه الحركات. دخلت سوريا عامها الرابع من الحرب التي دمرت مدناً ومناطق وهجرت الملايين إلى الداخل والخارج وأحدثت حالات فرز طائفي ومذهبي وعرقي وشهدت فصولها نماذج وصوراً مرعبة لم نشهدها في حروب كثيرة. باتت الحدود مفتوحة من أكثر من جهة لاستقدام «مجاهدين» من الخارج، أصبح عددهم بالآلاف، وأصبحوا الأقوى على الأرض. اليوم، نكاد لا نرى شيئاً أو أحداً من المعارضة التي انطلقت في البدايات. للأسف هذه هي الحقيقة وقد يكتب الكثير عن أسباب هذه النتيجة التي وصلت إليها المعارضة السورية. وإذا كان اليوم ليس هذا هو موضوعنا، فإن الإشارة إليه هي من زاويتين أديتا إلى صدور قرار في مجلس الأمن وبالإجماع، لكن ليس ضد النظام أو ضد النظام والمعارضة، بل ضد «القوى المعارضة الإرهابية»، وفي ذلك بالتأكيد فائدة للنظام، ولو مرحلية في جولة من جولات الحرب.

الزاوية الأولى هي سيطرة «دولة الخلافة الإسلامية» على جزء كبير من الأرض السورية، والاستفادة من خيراتها الزراعية والنفطية وفرض نظامها على الأرض بكل طقوسه وقوانينه غير المألوفة، وإلى جانبها «جبهة النصرة» المشابهة، وإن كانت صورتها تظهر تطرفاً أو «إرهاباً» أدنى بدرجات كما يقول البعض. وانحسر دور «الجيش الحر» ونفوذه بعد خلافات عديدة عصفت به من الداخل، وفي ظل غياب مرجعيته وقيادته السياسية التي بدورها تراجع دورها وعصفت في صفوفها خلافات كبيرة وتوزع «أركانها» على عواصم وفنادق العالم والمنطقة، ولا يمنون على شيء في الداخل رغم المال الذي أنفق من خلالهم لإسقاط النظام. هذه الحالة باتت خطيرة على الأرض، على كل المنطقة وتجاوزت كل الحدود عندما رسمت خطوطاً تكاد تكون أساساً لتغيير الخارطة القائمة ومدخلاً إلى التفتيت والتقسيم في كل مكان.

أما الزاوية الثانية، فهي تنامي «الرعب» في الدول الغربية وأميركا وروسيا من عودة المجاهدين من سوريا والعراق إلى بلادهم لتنفيذ عمليات على أراضيها. وبالتالي لابد من مواجهة هؤلاء. في المرحلة الأولى اكتفى البعض بالقول: دعوهم يموتون في سوريا والعراق ونتخلص منهم. تطورت الأمور فأصبحوا أقوى على الأرض والأكثر تأثيراً وزاد نفوذهم وباتوا يهددون من يقف ضدهم بالموت. وبالتالي أصبح الخائفون أمام خطر الموت على أيدي هؤلاء! وجاء حدث السيطرة على الموصل، وسقوط الجيش العراقي بسرعة خيالية، ثم ظهور حركة البشمركة على غير حقيقتها المعلنة. لم تبدو بالقوة التي كانت تصوّر. استنفر الغرب لدعم الأكراد. دخلت الطائرات الأميركية الأجواء العراقية، وقصفت مواقع «داعش» قصفاً خجولاً. لم يكن لحماية «الإيزيديين» أو المسيحيين، كانت الرسالة: ممنوع الوصول إلى بغداد. ممنوع الوصول خصوصاً الى أربيل، هذا خط أحمر، هذه منطقة تحظى بالحماية الدولية! إنها ضربات جوية مضبوطة على إيقاع الضربات السياسية على الأرض الممتدة من إيران إلى سوريا والعراق واليمن والخليج ومصر وفلسطين، وحركة ونظام الحرب المفتوحة في المنطقة بكل أشكالها والممنوع تجاوز حدود لعبتها المرسومة! هذه هي الحقيقة، وهذه هي أميركا ومن معها.

اليوم، وأمام خطر «داعش» و«النصرة» وغيرهما، أخذ مجلس الأمن قراراً بالإجماع وتحت الفصل السابع. لن يعيد «الإيزيديين» والمسيحيين، ولن يوقف الحرب، كان البعض في المنطقة يتوقع أو يريد قراراً ضد النظام السوري. صدر القرار الذي يخدم النظام، ولو مرحلياً كما قلت، ليؤكد الادعاء بأن ما يجري كان أول المحذرين منه والداعين إلى مواجهته! ومما زاد الطين بلّة، والمشهد وضوحاً، هو ما قاله رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون إنه «إذا لم نتحرك للحد من هجوم هذه الحركة الإرهابية الخطيرة، بشكل استثنائي، فإنها ستزداد قوة حتى تستهدفنا في شوارع بريطانيا. علينا استخدام القوة العسكرية في العراق للتصدي لمسلحي الدولة الإسلامية «مشدداً على ضرورة ردعهم قبل أن يقيموا دولة إرهابية على شواطئ البحر المتوسط»! في هذا الكلام تشديد على «داعش» في العراق فقط دون الإشارة إلى «داعش» سوريا مثلاً وكأننا أمام «داعشين» وخطرين وإرهابين ومشروعين من نوعين مختلفين! وفيه أيضاً تبرير للذهاب من أقصى أقاصي الأرض إلى العراق لضرب «داعش» وردّ الخطر على أرض الضاربين! وهذا يعني تدخّل أي كان في أي مكان تحت هذا العنوان.

إنها معادلة جديدة في عالمنا الجديد ونظامنا السياسي الدولي الحالي. وفي جلسة تقييم وقراءة لتطورات المنطقة منذ أيام شارك فيها عدد قليل من الخبراء الحقيقيين المطلعين على مجريات الأمور في محيطنا، قال لي أحدهم: «ماذا تفعلون في لبنان»؟ ألا تقرؤون ماذا يجري في محيطكم لتحفظوا بلدكم؟ وأضاف: «قبل عامين قال لي مسؤول كبير في إحدى الدول الكبرى تعليقاً على النقاشات التي شهدها مجلس الأمن حول الوضع في سوريا والفشل في الوصول إلى اتفاق أو قرار، إذا شعرت إيران بأن النظام السوري مهددّ سوف تتدخل بوسائل مختلفة. لن تحترم القوانين الدولية كما لن تحترم الحدود القائمة. وهذا ما حصل، تدخلت إيران بالدعم السياسي والأمني والمالي والعسكري ومن خلال وحدات عسكرية عراقية و«حزب الله» اللبناني. ولم يتحرك أحد بشكل فاعل رفضاً لذلك.

اليوم ثمة من قال لنا بعد قرار مجلس الأمن الأخير حول «داعش» انتبهوا لنتائج هذا البيان. وأقول لكم: انتبهوا في لبنان وخصوصاً وفي محيطه وتوقفوا عند ما قاله رئيس الحكومة البريطانية، واسألوا أنفسكم ماذا لو خرج قادة «حزب الله» ليقولوا لكم: تفضلوا كل الغرب يأتي من كل الجهات ومدعوماً من أقصى الشرق للتدخل ضد «داعش» كي لا يصل خطرها إلى داخل الدول المعنية، فما بالكم ونحن على حدود سوريا والعراق، ألا يحق لنا أن نتدخل لحماية حدودنا وأمننا واستقرارنا هنا؟ فماذا تقولون أنتم؟ أحد الحاضرين قال: ثمة فرق كبير، هناك الدول هي التي تتخذ القرار، أما عندنا فـ"حزب الله" أخذ القرار بالتدخل وبعض الفصائل الأخرى لنكون منصفين! أجابه الخبير ذاته: يا عزيزي هذا كلام لا ينفع. ماذا تفعل دولتكم؟ من هي دولتكم؟ وماذا فعل الآخرون أمام هذا التدخّل؟ كونوا واقعيين، واكبوا ما يجري. وتصرفوا بطريقة تحمي بلدكم.

كان هذا الكلام قبل ساعات من خطاب «نصر الله» الأخير الذي أشار فيه إلى الخطر الوجودي الذي تشكله «داعش». وقبل صدور موقف مفتي المملكة العربية السعودية الذي اعتبر إن «عدو الإسلام الأول هو أفعال داعش والقاعدة».

أعود وأقول قد يستفيد النظام السوري وحلفاؤه من هذه المواقف والتطورات ولو مرحلياً، ولذلك سارع أركانه إلى القول إن التدخل إذا كان مطلوباً ضد «داعش»، فيجب أن يكون بالتنسيق مع الدولة السورية كي لا يكون خرقا للسيادة! الحرب السورية ستستمر، وهي طويلة، وتنتظرنا فيها جولات كرّ وفرّ كثيرة ودموية، وكذلك في العراق إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وتأتي اللحظة الدولية الإقليمية المؤاتية لوقفها! في انتظار ذلك هل يمكننا التفكير بعقل جماعي لنجسّد إرادة العمل الجماعي ضد خطر واحد؟
&