هوشيار زيباري

لقد كرّستُ حياتي كلها للنضال من أجل تحقيق السلام والديمقراطية في العراق عندما كنت عضواً في «البشمركة» أناضل وأقاتل ضد نظام صدام حسين في بداية الأمر، ثم كدبلوماسي يحرص على إبراز دور العراق كشريك فعال يساهم في تحقيق السلام العالمي.


ولكنني لم أرَ في حياتي ما يفطر القلب أكثر مما شاهدت مؤخراً في شمال العراق. فقد لجأت النساء والأطفال عبر الجبال لعدة أيام من دون طعام ولا ماء، وفقد الآباء أبناءهم الذين اختطفوا وتعرضوا للموت أو الاستعباد، وسمعت عن اغتصاب الزوجات وبناتهن، وعن أمهات قطعن أيديهن حتى يشرب أبناؤهن الدماء منها ليبقوا على قيد الحياة.

وقد انتشرت مثل هذه الأعمال الوحشية لأن فصيلاً إرهابياً يطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية» ويعمل وفق مفاهيم خاطئة للإسلام، تبنّى أعمال التطهير وفقاً لمبدأ «كن معنا أو سنقتلك». وقد طالت المذابح التي اقترفها هذا التنظيم الإرهابي القرويين، واختطف مئات النساء والفتيات، وعمد إلى قطع الرؤوس ودفن الضحايا وهم أحياء، فضلاً عن اقتراف الكثير من الأعمال الإجرامية الأخرى التي روّعت الإيزيديين والأكراد والمسيحيين والتركمان، من دون أن يوفر السنة أو الشيعة، ما دفعهم إلى النزوح عن بيوتهم. وقد تجمع أكثر من مليون نازح في ملاجئ شديدة الاكتظاظ في المنطقة الكردية التي أنتسبُ إليها.

وكان لهذه الممارسات والجرائم الوحشية التي انتشرت في مناطق واسعة، أن تصيب العالم بالصدمة بقدر ما أصابت العراقيين أنفسهم الذين سبق لهم أن عانوا لمدة طويلة من الديكتاتورية، وعانوا من جرائم تنظيم «القاعدة» بعدما تسلل إلى العراق. وجاءت العملية الإجرامية الفظيعة الأخيرة عندما قام التنظيم بقطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي، وهو العمل الذي يذكرنا بإعدام تنظيم «القاعدة» للمحقق الصحفي دانييل بيرل. وقد وجد الأميركيون أنفسهم مرة أخرى هدفاً للإرهاب الذي لا يعترف بالضوابط الأخلاقية ولا بحدود الدول.

ومع انضمام ألوف «الجهاديين» إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» الذين تدفقوا من الدول الغربية وهم يحملون جوازات سفر رسمية صادرة عنها، أصبح يسود الخوف من أن يعود هؤلاء المتطرفون الميّالون للعنف إلى أوطانهم من دون الحاجة إلى تأشيرات دخول ليقترفوا هناك جرائم مماثلة. وهذا ما يجعل من الأهمية بمكان بالنسبة للعراقيين وجيرانهم وحلفائهم التصدي بسرعة وفعالية لهذا الخطر الداهم.

وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الأولى التي استجابت لهذا التحدي بتقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية لنا، لتستحق بذلك الشكر والعرفان من العراقيين جميعاً مرة أخرى. وبالإنابة عن كل العراقيين، يطيب لي أن أتقدم بالشكر للشعب الأميركي والبيت الأبيض لما قدموه لنا من تضحيات بالدماء والأموال منذ عام 2003. ولكن، لسوء الحظ، فقد بقي هناك كثير مما يجب فعله لمواجهة هذا الخطر. والعراقيون لا يطلبون من الولايات المتحدة أن تقاتل نيابة عنهم، فالبشمركة تعمل جنباً إلى جنب مع قوات الأمن العراقية وبالمساعدة الاستشارية والعسكرية للولايات المتحدة مدعومة بغارات القوات الجوية الأميركية، على الخطوط الأمامية لجبهات القتال من أجل استعادة السيطرة على المناطق التي احتلها «الجهاديون» ودحرهم.

ولكن من الجدير بالإشارة هنا أن العراق يحارب الآن أغنى مجموعة إرهابية في العالم وأكثرها تعقيداً. وهي التي تطلق على نفسها صفة «دولة» على رغم ممارساتها الوحشية. ونحن نحتاج للدعم المستمر والمتزايد لمواصلة هذه الحرب. وقد لاحظنا وخبرنا ما يمكننا أن نفعله نحن العراقيين عندما نحتكم في عملنا إلى التعاون والانسجام، فقد نجحنا في استعادة السيطرة على مدينة مخمور وسد الموصل الاستراتيجي المهم. ونجحنا في تأمين أربيل عاصمة إقليم كردستان، وتم إنقاذ كل ما تبقى من الإيزيديين المقيمين في سلسلة جبال سنجار من بطش ووحشية الإرهابيين. وأصبحت قضية تقديم المساعدة للنازحين في المنطقة الكردية أكثر تنظيماً ووضوحاً.

وقد نجح الأكراد في اغتنام الفرصة من أجل إقامة منطقة تنعم بالأمن والديمقراطية والتعددية ويمكنها أن تحمي الأقليات. وفي عام 2003، حاربوا إلى جانب الأميركيين لإلحاق الهزيمة بصدام حسين وأصبحوا هم الشريك الثابت الذي لا يتغير بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة التي لا يوجد فيها إلا القليل من الدول التي تلتزم بمثل هذه المبادئ.

والآن.. ها نحن نحارب بالاشتراك مع العالم كله ووفقاً لمبدأ: «إذا لم نتمكن من دحرهم في وطننا، فسيتوجب عليك أن تحاربهم في وطنك».

ولحسن الحظ، فقد لاحت أمامنا فرصة لمكافحة الرعب. وبعد أن انتخب العراقيون قادتهم الجدد الذين عمدوا إلى تشكيل حكومة للمّ الشمل، فإن قوات الأمن العراقية جنباً إلى جنب مع «البشمركة» تحارب بنجاح وبأسلوب وضع اليد باليد للدفاع ليس فقط عن وحدة الأراضي العراقية، بل أيضاً عن وجود العراق ذاته. ولم يكن دعم كل من القوات الأمنية الحكومية والإقليمية في محاربة خطر «الدولة الإسلامية» في يوم من الأيام، أكثر فعالية مما هو عليه الآن.

وبمجرد أن يقف العراقيون متكاتفين جنباً إلى جنب ضد الإرهاب، فإن على العالم أن يقف معهم وقفة مشابهة. ونحن لا نطلب العون من الولايات المتحدة وحدها، بل نطلبه أيضاً من جيراننا وحلفائنا الأوروبيين والعالم العربي والإسلامي حتى يقف الجميع معنا ضد هذه القوة الوحشية الغاشمة التي تهدد بإغراقنا جميعاً في دياجير الظلام والتخلف.

نحن نواجه عدواً مشتركاً، ويجب أن نتبنى موقفاً موحداً لدحره، وأن نحقق في نهاية المطاف نصراً مشتركاً لكل الشعوب والأجيال التي تعيش الآن والتي ستولد فيما بعد، ضد قوى الإرهاب والظلامية.
&