المفكر الأردني فهمي جدعان: الإسلام الصحيح هو إسلام المقاصد لا الفقهاء و«داعش» قامت على النصوص الظاهرية للمصحف الشريف

&آية الخوالدة

&
«منذ بداية ما اطلق عليه الاعلام الغربي «الربيع العربي» اعتقدت جمهرة من القوم ان آلة القدر بدأت تعمل وان السماء فتحت ابوابها لتمطر المطلوبات: الحرية، والكرامة، والعدل، والرفاهية، والأمن، والديمقراطية، والاستقلال الحقيقي، والتحرر من التبعية والفساد، واسترداد الحقوق المغتصبة والوطن السليب. إلا اننا نعبر اليوم زمنا غير عادي، عاصفا ً تحترق فيه النفوس والأبدان والمجتمعات والأوطان. عشرات الالاف من الضحايا والبؤساء سالت دماؤها وتناثرت أشلاؤها عبر «منظور سياسي مسرف» للدين يتجذر ويستعلي، يوحّد بين نفسه وبين الدين نفسه، ليبدو ان اكثر «الشعوب الإسلامية تعلقا بالدين وأهدابه، يجد نفسه خارج الدين مدعوا الى دين الاسلام من جديد!» هذا ما ورد على لسان المفكر فهمي جدعان في مقدمة كتابه «تحرير الاسلام ورسائل في زمن التحولات».


وفي الندوة التي اقامتها مؤسسة عبد الحميد شومان، لمناقشة الكتاب بحضور مؤلفه ونخبة من المثقفين والمفكرين الاردنيين والعرب، ادار الحوار غسان عبد الخالق، وتحدث كل من زهير توفيق والمفكر مجدي ممدوح حول اشكالية تحرير الاسلام من الظواهر الجديدة التي احتلته من قبل بعض الجماعات السلفية وداعش والحركات الارهابية وغيرها.
اعتبر توفيق ان جدعان رائد من رواد العقلانية النقدية التاريخانية المشخصة، حيث دعا في كتابه الاخير الى رد الاسلام الى دائرة الروح، واتباع الوسطية في تعاملنا مع الغرب، وفك الاشتباك بين الاسلام التاريخي والمعياري، وبين الدين والثقافة المصاحبة. كما ان شعارات الاسلام السياسي تعتبر شعارات انتحارية وليست استجابة خلاقة للمرحلة الراهنة.
اما بخصوص الربيع العربي، بين توفيق ان المؤلف حذر من انحراف مسار الثورات عن مبادئها الأولى ولا بد من اعادة راهنية القيم في فضاء الشعب، والهدف الاساسي في الوقت الراهن من مفكر لا مصلح ديني. وعن المشكل السياسي في الكتاب، اضاف توفيق « هو الحكم، صراع الثنائيات بين الدولة المدنية والدينية، المقاصد والأحكام، فأيهما اولى تطبيق الاحكام ام المقاصد المؤسسة للأحكام؟!، الى جانب التوظيف الانتهازي للدين في السياسة، وتفكك الشخصية الاسلامية بوجود الصراع السني والشيعي، في ظل غياب أي قاعدة مؤسسية له في القرآن. وتطرق توفيق بالحديث الى الاسلام العربي والإسلام غير العربي عاقدا المقارنة بينهم، فالأول متعصب وتجربته فاشلة كونه يشعر بالتفوق لمعرفته باللغة العربية، بينما الاخر متسامح واثبت نجاحه الكبير في ماليزيا وتركيا.


وختم توفيق حديثه بضرورة الدخول الى القرآن بمدخل غير لغوي من اجل الحيلولة دون تحول الاسلام العربي الى الامبريالية الثقافية ويصبح الدين عنصريا مثل اليهودية، كما شدد على خطورة القراءة الظاهرية واللغوية والذكورية والذرية للقرآن، وما سببته من اشكاليات في قضايا المرأة في الاسلام واعتماد المنهج الكلي والعقلي والمطابقة الذي اعتمده ابن خلدون.
وتناول الباحث مجدي ممدوح التأويل ودوره المركزي في فكر فهمي جدعان، حيث يعتبر جدعان ان التأويل يمثل مخرجا مقبولا من الأزمة المترتبة على عدم انسجام النص مع متطلبات روح العصر والمجتمع المعاصر، فمع تقدم المجتمعات يصبح النص مع تقدم الزمن غريبا عن روح العصر، وهذا يتطلب جهدا مستمرا في عصرنة النص عبر تقنيات التأويل، وقد مارس الفكر العربي التأويل عبر تاريخه الطويل واستطاع ان يتجاوز الكثير من التناقضات، وقد منح فهمي جدعان للتأويل اهمية كبيرة في الخروج من مأزق النسوية، وأورد الكثير من التأويلات التي تعيد للمرأة صورتها اللائقة والتي اعتقد البعض ان المعنى الظاهري ربما ينتقص من قيمة المرأة الإنسانية، ويبدو ان فهمي جدعان في كتابه الجديد «تحرير الإسلام قد اظهر وثوقية اقل حول قدرة التأويل على تجاوز الازمات حول التوافق بين العقل والنص، ويلجأ جدعان في هذا الكتاب الجديد الى توظيف تقنيات وأليات فلسفية جديدة لردم الهوة بين العقل والنقل، ومن بين هذه الآليات المنطق الجدلي الهيغلي، الذي يدعو جدعان الى الاستفادة منه من اجل خلق مركبات جديدة تدعم المنظومة الفكرية للمجتمعات المعاصرة.


في نهاية الندوة قدم المؤلف مداخلة عن الكتاب وردَّ على بعض القضايا التي أثارها الحضور، موضحا «كان من الانسب ان اجعل عنوان الكتاب» رسائل من التحولات»، إلا ان الاغراء جاء من اننا نشهد منذ سنوات ظواهر عنيفة، لافتة للنظر تتطلب التنبيه الى خطر كبير ينتظر الاسلام نفسه، حيث بدأ يكتسب صورة مبدلة عن الصورة التي نتمثلها له في أذهاننا الرحمة والعدل والانفتاح والمحبة، والتي بفضلها حظي الاسلام بجاذبية كبيرة جدا في القرنين الماضيين. فالإسلام منذ القرن التاسع عشر وحتى اواسط القرن العشرين كان جاذباً بعرضه الحضاري، بينما هو اليوم اسلاما طارداً مرتبط بالعنف الدموي واضطهاد المرأة والقتل والسحل والذبح الذي نشهده يوميا.
والكتاب من قسمين، تحرير الاسلام الذي يتصدى لمظاهر شاذة في الاسلام المعاصر وتحريره منها، فمنذ قرابة العقدين من الزمن دخلنا بعمق في الحداثة المتقدمة والمتفجرة، والتي بدأت تتحول الى ما يسمى «ما بعد الحداثة». مجموعة من القضايا الاساسية التي تواجه العالم اليوم، قضايا العدل، الحرية، الاختلاف، والمرأة جميعها غائبة عن الساحة الفكرية الثقافية، لكنها ممتدة بشكل في حياتنا يوميا، بأشكال عملية ونظرية، وأشرت في مجمل اطروحة الكتاب، الى ضرورة التصدي الى الجانب البنائي من وجودنا الراهن المهدد يوميا بإعادة تشكيل هذه الافكار وتحويلها الى ممارسات عملية.


وحول القضايا التي اثارها الحاضرون، خيب المؤلف أمل الباحث مجدي ممدوح، حيث نفى كونه هيغيليا، مبينا:» لا انطلق من هيغيل مثلما انني لا انطلق ابدا من الفلسفات الغربية، ومنطلقي الاساسي من الواقع المشخص المباشر، وفي النص الاخير من الكتاب، اخذت كثيرا على اصدقائنا المفكرون المغاربة ان منطلقاتهم دوما غربية، وأدعو الى الانطلاق من المباشر المشخص الذي يوجهنا الى المشاكل التي تواجهنا والمناهج التي لا بد وان نتبعها في دراستها، فالواقع يطلب المنهج الذي يناسبه، وحين افكر في قضايانا المعاصرة لا اغلق المباشر في سياق مغلق مثل السلفية، فنحن لسنا احرارا بمطلق الحرية بهذا الوجود، ولسنا لوحدنا في هذا العالم.


في رده على احدى المداخلات حول العنف في كتابه، اوضح جدعان « اشير الى فرق معرفي يتعلق بمسألة الاعتراف، مهاتير محمد كان يقول نحن الماليزيين اقدر على التعامل مع الغربيين من العرب، وهو مصيب لان لديهم اقليات وثقافات متعددة ومتداخلة، يتفاهمون ويتصارعون، ويطلبون الدمج ألاجتماعي لذلك فكرة الاعتراف المتبادل لديهم افضل، فنحن لا احد يقبل الاخر سواء الاسلاميون او العلمانيون او الراديكاليون، نحن نلجأ الى تكفير المختلف ورفضه.
وعن داعش يقول جدعان :»تفسير معرفي تأويلي، بإيعاز وتعلم وتدريب ودورات سرية وتوجيهات ظاهرة وباطنة من دوائر سرية يقوم عليها مستشرقون استعماريون صهاينة وغير صهاينة وضعوا اصابعهم على النصوص المشكلة في التراث الإسلامي الحديث وظاهر النصوص الدينية، وقدموها بشكلها الخارجي لمن يدربوهم على انها آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحاديث للصحابة وجملة القضايا التي يشيعوها اليوم مأخوذة من التراث ونصفها غير صحيح. عملية منظمة ومبرمجة منذ سنين، فمن يأتي وينصب نفسه خليفة ويطلب البيعة على غرار ابي بكر الصديق ويستحضر عباراته، واقع يجدون له مسوغات في نصوص مأخوذة على ظاهرها. من هنا لا بد من القراءات التأويلية للخروج من الاشكالات في النصوص الظاهرية للقرآن.


وختم جدعان حديثه :»الاسلام الرحمة والعدل عاش تجربة تاريخية بائسة، حيث انسحب لنظام الملك كما حصل في النظام الاموي والعباسي، حدث تحول وتبدل وينبغي العودة الى الاسلام الاصلي وهو اسلام العدل والرحمة والمصلحة، اسلام المقاصد وليس اسلام الفقهاء، الذي دخلته نزعات الفقهاء ورغباتهم وظروفهم التاريخية. نظرية المقاصد جاءت لتتجاوز الاحكام الجزئية والذرية والظاهرية التي تحولت الى مطلقات. يقول ابن القيم الجوزية «حيثما ظهرت امارات العدل فثم شرع الله» فأي دولة تقيم العدل والرحمة والمصلحة هي دولة شرعية تحفظ الدين وتحميهم وتحافظ على اعتقاداتهم في الحياة والدين والشريعة هي دولة شرعية، ولسنا بحاجة الى خلافة من أي احد».

&