عبدالعزيز التويجري

انسحبت إسرائيل من المفاوضات غير المباشرة المنعقدة مع ممثلي حماس والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية لأنها تصر على نزع سلاح اهل غزة وتركهم عزلاً تقتلهم وتدمر مدنهم كيفما تشاء، وعادت الى القصف المدمر، والاغتيالات الجبانة لقيادات حماس، واستهداف الأطفال والنساء والشيوخ. وهذا الموقف الموغل في العربدة والغطرسة هو في حقيقة الامر ما تريده إسرائيل فقط ضد شعب محاصر ومخنوق منذ سنوات عدة. فهي غير جادة ابداً في البحث عن سلام عادل ومنصف لجميع الاطراف. فبعد اكثر من ثلاثة شهور من القصف المستمر بالطائرات والصواريخ والدبابات، قتل اكثر من ألف وخمسمئة شخص وجرح اكثر من عشرة آلاف شخص غالبيتهم العظمى مدنيون، أطفالاً ونساء ورجالاً. واستهدفت القوات الاسرائيلية الهمجية المباني السكنية والمدارس والمساجد التي دمر منها العشرات وأكثرها من المساجد الاثرية القديمة ذات القيمة التاريخية والحضارية التي لا تقدر بثمن.

&

تم كل ذلك بروح عنصرية حاقدة وشراسة إرهابية مقيتة في ظل تخاذل دولي مريب ودعم اميركي منحاز وظالم، وعجز عربي وإسلامي مذل ومؤلم. ومهما سيق من دعاوى متهافتة من جانب عدد من الدول الغربية وبعض الأصوات المتخاذلة في المنطقة العربية التي تحمل حركة حماس مسؤولية ما جرى ويجري، فإن مجريات الواقع اثبتت أموراً ثلاثة، اولها ان سياسات اسرائيل لم تتغير ولن تتغير كدولة غاصبة عنصرية توسعية لا تريد السلام ولا تسعى اليه. وثانيها ان المقاومة الباسلة لأهل غزة الأبطال والصمود الرائع تحت وابل القصف العنيف بأعتى الاسلحة الفتاكة، والردّ عليه بما توافر من صواريخ وأسلحة، وإن كانت اقل قدرة وتأثيراً من الاسلحة الاسرائيلية، كانت اشد ايلاماً لإسرائيل وتهديداً لها من جيش اي دولة عربية وإسلامية تملك أسراب الطائرات وأرتال الدبابات والمدرعات وأنواع الصواريخ التي تصدأ في مخازنها وتشكل عبئاً على اقتصاد من يملكها، او تستخدم لقتل المواطنين وإذلالهم. فلا هي استخدمت ضد عدو ظاهر قاهر يحتل الارض ويدنس الأقصى ويبطش بالأشقاء، ولا الاموال التي دفعت ثمناً لها صرفت في ما ينفع مواطني هذه الدولة او تلك. وثالثها هو انكشاف خرافة المقاومة الإيرانية الصنع التي انشغلت خلال هذا العدوان الاسرائيلي الغاشم على غزة بقتل الشعب السوري والتآمر على وحدة لبنان واستقراره وسيادته، واتضح انها أداة في يد دولة الولي الفقيه تعمل لتنفيذ مخططاتها واستراتيجياتها في المنطقة، فلم تحرك ساكناً في مواجهة عدوان اسرائيل واكتفت بالبيانات الطنانة والخطب الرنانة والتبريرات المخجلة.

&

ان ترك اسرائيل تعربد وتبطش وتتحدى العالم كله عار على المجتمع الدولى وعلى مواثيقه وإعلاناته وعلى رأسها الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فلم يسبق في التاريخ المعاصر وبعد اعتماد ميثاق الامم المتحدة ان تصرفت دولة مثل تصرفات اسرائيل المستهترة بكل القوانين الدولية والمبادئ الانسانية. ولو حدث ولو شيء قليل مما تفعله اسرائيل من دولة اخرى شرقية او غربية لقوبلت بالاستنكار والتنديد والعقوبات. ولنا في ما حدث للعراق وليبيا من قبل، وما يحدث لروسيا الآن بسبب موقفها من أوكرانيا خير دليل على ذلك. اما الدول العربية والإسلامية فقد وصل بها الوهن وقلة الحيلة والتشرذم حداً يجعل الألباب حائرة ويسوّغ طرح أسئلة قلقة هي: الى اين نحن سائرون؟ وهل ستستمر اسرائيل في قهر الشعب الفلسطيني وذبحه واحتلال ارضه الى ما لا نهاية وتهدد الدول العربية وتفرض الهيمنة على شؤون المنطقة؟ وهل ستترك ايران تمضي في مخططها التوسعي مذهبياً وعسكرياً في العراق وسورية ولبنان واليمن وربما الى ما وراء ذلك، مفتتة وحدة العالم الاسلامي الروحية ومصالحه وأمنه؟ وهل لا نزال نظن ان اميركا او غيرها من الدول الغربية تحرص على مصالحنا وتحفظ ودنا وتصدق في التعامل مع قضايانا؟ للإجابة عن هذه الأسئلة لا يجوز الاتصال بصديق بل بصادق.
&