محمد شومان

ترددت كثيراً قبل الكتابة عن تحالفات الأحزاب والشخصيات العامة استعداداً لخوض الانتخابات البرلمانية المرتقبة، والتي يفترض أن تأتي ببرلمان يجسد شرعية 30 حزيران (يونيو)، ويستكمل واحدة من أهم خطوات خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد الإطاحة بحكم «الإخوان».

&

فكرة التحالفات انطلقت قبل شهور وبدت وكأنها محاولة لهندسة الفضاء السياسي والتعددية الحزبية، وتحويله إلى كتلة واحدة من الأحزاب والشخصيات المؤيدة للرئيس السيسي تحت دعوى بناء تحالف من الأحزاب والقوى المدنية ضد «الإخوان» والأحزاب والجماعات الإسلاموية، وبغض النظر عن دواعي هذا التوجه وعن اسبابه فانه لا يساعد على التحول الديموقراطي ويضعف من التنوع والتعدد السياسي، كما يعمق حالة الانقسام والاستقطاب التي يعاني منها المجتمع.

&

وأثبتت التحركات الفعلية على الأرض صعوبة بناء تحالف انتخابي أو حتى أربعة تحالفات انتخابية تجمع الأحزاب والقوى المدنية، والأهم أن كل التحالفات التي أعلن عنها بدت هشة وعلى درجة كبيرة من السيولة وعدم الاستقرار لأسباب كثيرة أهمها:

&

1- ضعف الأحزاب المصرية القديمة أو الجديدة التي ظهرت بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث غابت عن الشارع وفشلت في ملء الفراغ السياسي الذي خلفه «الحزب الوطني» (حزب مبارك ودولته) وجماعة «الإخوان»، ربما لأنها تفتقر الى الموارد والأفكار التي تمكنها من لعب أدوار في مساعدة الناس في القرى والأحياء الفقيرة، واعتقد أن هذا الفشل – إضافة إلى أسباب أخرى – مهد الطريق لظهور الحالة الشعبوية الطاغية التي تحلقت حول ظاهرة السيسي كبطل منقذ، والمفارقة أن معظم الأحزاب المدنية رحب بالظاهرة وراهن عليها، وحاول الاستفادة منها من دون إدراك مخاطر تلك الشعبوية على الطلب على السياسة والذي تراجع كثيرا، وبالتالي تقلصت مساحة وفرص العمل أمام الأحزاب .

&

2- جمود وانتهازية غالبية النخب السياسية التي تقود الأحزاب أو تشارك في صنع التحالفات، حيث فشلت كعادتها في التفاوض والتوصل إلى صيغ مشتركة للعمل، بالرغم من تماثل الأفكار والقوى الاجتماعية التي تعبر عنها بعض الأحزاب، كما لم تتمكن النخبة السياسية من حسم موقفها من التعامل مع الشخصيات المحسوبة على نظام مبارك أو ما يعرف بـ «الفلول»، فقد رفضت بعض الأحزاب كـ «المصريين الأحرار» و»المصري الاجتماعي» و»الكرامة» و»الدستور» التحالف مع «الفلول»، بينما اشترط «الوفد» أن يحمل التحالف الانتخابي لكل الأحزاب اسم «الوفد»، وانشغلت معظم الأحزاب بتعظيم فرص فوزها بأكبر حصة من المقاعد في البرلمان القادم، من دون أن يتناسب هذا الطموح مع حضورها في الشارع السياسي ومواردها المتاحة وقدراتها على تنظيم وحشد أعضائها وأنصارها .

&

3- عيوب قانون الانتخاب الذي يعتمد على نظام الغالبية في الدوائر الفردية أو القوائم المطلقة والتي خصص لها خمس المقاعد فقط، ما يضعف الأحزاب، وبموجب القانون فإن من يحصل على 50 في المئة + واحد من الأصوات يحصد كل المقاعد، ما يدعم من فرص الأحزاب الكبيرة في الانتخاب بالقائمة، ويحافظ على قوة الأفراد المستقلين في تشكيل البرلمان، وهؤلاء يأتون في الأغلب من أبناء الأسر الكبيرة في الريف أو رجال الأعمال في المدن، وكانوا تاريخياً يلتحقون بالحزب الحاكم، ومن المرجح أن يلتحقوا في جمهورية السيسي بالحزب الأقرب أو الأكثر تأييداً للرئيس، إذ أن السيسي أكد مراراً وتكراراً استقلاله عن كل الأحزاب.

&

4- ضعف وهشاشة التبرير السياسي والإيديولوجي لقيام التحالفات الانتخابية، فقد تراجعت مخاطر عودة «الإخوان» في ظل ما يتعرض له التنظيم والأفراد من ضربات أمنية علاوة على حالة العداء الشعبي ضدهم، كذلك تراجعت فرص حزب «النور» السلفي بعد انكشاف ضعف خطابه السياسي وقلة خبرته علاوة على تعرضة لعديد من الانقسامات الداخلية، من هنا فإن مقولة الخوف من عودة «الإخوان» والجماعات الإسلاموية فقدت جاذبيتها وأصبحت غير مؤثرة في الشارع، وبالمثل لم يعد هناك ظل من حقيقة لمقولة الحفاظ على تحالف 30 يونيو، والذي انهار قبل الانتخابات الرئاسية، وفي ظل التطبيق المتسرع لقانون التظاهر والذي اصطدم بشباب الثورة. وبالتالي ظهرت فكرة التحالفات وكأنها مصادرة على المطلوب من العملية الانتخابية لصالح اتفاقات علوية بين أفراد النخبة السياسية لتوزع المكاسب السياسية والمغانم وهي صورة مرفوضة شعبيا.

&

المدهش أن الأسباب الأربعة السابقة تفسر تعثر بناء تحالفات انتخابية حتى اليوم، لكنها في الوقت ذاته قد تدفع نحو ظهور تحالفات انتخابية غير مبدئية في اللحظة الأخيرة، وتحديدا بعد الإعلان رسميا عن فتح باب الترشح، وذلك في محاولة للاستفادة من نظام القوائم الذي خصص له خمس مقاعد البرلمان، ما يعني أن فرص ظهور تحالفات في القوائم أعلى بكثير من الدوائر الفردية والتي ستكون الغلبة فيها للأفراد المستقلين، مع تشظّ واضح لنصيب الأحزاب في الدوائر المختلفة، وبالتالي عدم تبلور أغلبية برلمانية تنتمي لحزب محدد أو جماعة سياسية، وضرورة حدوث تفاهمات وتحالفات واقعية تفرضها في نتائج الانتخابات لتشكيل ائتلاف أو كتلة للأغلبية.

&

ويمكن القول أن الموارد المالية للأحزاب ستكون أهم عناصر الحسم في شكل التحالفات في نظام القوائم وحصة كل حزب، بالنظر إلى المساحة الشاسعة لكل دائرة انتخابية تجري فيها الانتخابات بالقوائم، وهنا يمكن القول بوجود ستة أحزاب فقط (من أصل 84 حزباً!) لديها القدرات المالية واللوجستية على المنافسة بقوة وقيادة تحالفات اللحظة الأخيرة وهي «الوفد» و»الأحرار الدستوريين» (يحظى بدعم المليونير نجيب ساويرس) و»الجبهة الوطنية» لأحمد شفيق، و»المؤتمر» لعمرو موسى، و»النور»، و»مصر القوية» لعبد المنعم أبو الفتوح والذي قد يشكل نواة لتجمع عناصر من «الإخوان» وحلفائهم.

&

ان كل حزب من الأحزاب الستة يمكنه حسم شكل كل تحالف وتحديد الاحزاب المشاركة وحصص كل منها، ما يعني استمرارية خضوع اللعبة السياسية للمال السياسي سواء من خلال قدرات الأحزاب الكبيرة أو الأفراد المستقلين من رجال أعمال أو أبناء الأسر الكبيرة في الريف. القصد أن المال السياسي سيتحكم في الانتخابات المقبلة، وستتراجع حصة أحزاب اليسار والجماعات الثورية بالنظر إلى ضعف قدراهتا على التمويل وتراجع خطاب الثورة لصالح الأمن أولا والاستقرار وإنقاذ الاقتصاد، إضافة لما تعرضت له ثورة 25 يناير ورموزها من تشويه وتصويرها كمؤامرة على مصر.

&

وبغض النظر عن تشكيلة البرلمان المقبل فإن الأكثر أهمية سيكون التوقف عند ثلاث ظواهر: الأولى ضعف اهتمام الأحزاب بالاعتراض على قانون الانتخاب المعيب والذي يعتبر تراجعا عن القانون السابق كما يضعف الأحزاب والحياة السياسية، والثانية انشغال الأحزاب ببناء تحالفات انتخابية بالرغم من عدم تحديد الدوائر الانتخابية حتى اليوم، والثالثة تأخير الانتخابات البرلمانية بالرغم من أن الدستور قد نص على بدء الإجراءات الانتخابية في مدة لا تجاوز ستة أشهر من إقرار الدستور، ما فتح الباب عمليا لتأجيل قد يطول تحت دواعي الأمن وانشغالاته، وهو وضع غير مريح، يضاعف من مخاطره سكوت الأحزاب والنخبة السياسية على استمرار جمع رئيس الجمهورية للسلطتين التنفيذية والتشريعية.

&


&