محمد الساعد

يقول الدكتور غسان سلامة المفكر والباحث السياسي اللبناني الكبير في حوار سابق له عبر تلفزيون «إم تي في» اللبناني، إن أي تقسيم أو تفكك في أية دولة عربية، لن يأتي على «البارد» كما يقول.

&

ويعني سلامة بكلامه، أن كل من يفكر أنه قادر على تقسيم أية دولة عربية عرفت بشكلها الحديث إلى دويلات من دون ضحايا وأنهر من الدماء، وشروخ عميقة لا تندمل في العلاقات بين الأعراق السكانية، هو واهم بلا شك.

&

ويشير الدكتور غسان إلى أن تلك الدول سواء أكانت موجودة سابقاً، أم يحلم بتشكيلها حديثاً من مكونات عرقية أو مذهبية، أم حتى يعيد بناء ما كان موجوداً منها قبل 100 عام، يتطلب ملايين من دماء الضحايا الحارة المنسكبة بلا رجعة وآلام لا تنتهي، ستعيق تلك الدولة من العودة مرة أخرى، وربما تصبح دولة عبثية لا أمل في تخلقها من جديد ككيان قابل للحياة.

&

فالعراق وسورية والصومال وليبيا، تفككت وأصبحت مجموعات سكانية متحاربة، وهي في طريقها للزوال بشكلها الذي عهدناه بها خلال العقود الماضية، بسبب ثورات غير راشدة، لحقتها رغبات انفصالية، أو مؤامرات استغلت ما سبق، وأنهت ما كان يخطط له.

&

إذاً لا يوجد شيء اسمه هذه الأرض لكم وهذه الأراضي لنا، اذهب أنت وقبيلتك إلى «ربعك وأنا أذهب إلى ربعي»، اليوم تداخلت الأعراق وامتزجت الأجناس، ودخل الريف إلى المدن، وتحولت المدن إلى دول، وما عادت الحياة بشكلها الرومانسي كما كانت في الخيالات، ولن تعود.

&

ولا يستطيع أي أحد أن يعيد رسم خريطة لدولته المقترحة في خياله، من دون أعوام طويلة من القتال، وعقود من التيه والوجع. تقوم «داعش» اليوم بتقديم نموذج مبسط لما يمكن أن يحدث فوق أي أرض وتحت أي سماء، فهاهي تهجر الملايين من المسلمين السنة والشيعة، والمسيحيين والإيزيدية والتركمان والأكراد، من أوطانهم التي عاشوا بها آلاف الأعوام، ليحل مكانهم الشيشاني والأفغاني والسعودي والتونسي والليبي، تُسبى نساؤهم، وتستحل أموالهم ومزارعهم.

&

هي تقتصهم من الجذور، فهل تستطيع أن تعيد ترتيب دولتها المزعومة على أساس التطرف والإرهاب، هذا مستحيل، فالدم للتو انسكب، وكل من يطلق أحلامه وأفكاره الرومانسية عليه أن يتذكر أن ما كان ممكناً رسمه على الورق قبل أعوام، لم يعد ممكناً على أرض الواقع اليوم، وأن العاقل من اتعظ بغيره. نعم هناك حاجة ملحة لتعديل قوانين الحياة التي يعيش بها الناس، على أساس من المساواة والكفاءة والعدل والشورى، وتفكيك الكهنوتية الدينية، والانفراد بالدين والتدين، إضافة إلى ترسيخ الحقوق المترتبة على الأطراف المتشاركة في مشاع الحياة.

&

لكن عدم تحققها بالشكل الكامل، لا يجب أن يكون مبرراً للانقضاض على الدولة وهدمها والسير في جنازتها.

&

فالعقد القائم بين الدولة (الوطن) وبين أبنائها يقوم أيضاً على عدم الخيانة والاصطفاف مع العدو، والانتماء لمنظمات أو تنظيمات ذات بعد آيديولوجي أو حركي، إضافة إلى احترام مبادئ التجنس وحقوق المواطنة على كل من يحمل هوية وطن (أي وطن) كان.

&

وهو ما قالته بريطانيا - أخيراً - أعرق الديموقراطيات في العالم: «عند تهديد الأوطان لا تحدثني عن حقوق الإنسان»، وسواء قبلنا ذلك الكلام، أم لم نقبله فالفرق شاسع بين الإصلاح وبين الخيانة والهدم.

&


&