ترودي روبن
&
كيف يمكن التعامل مع مجموعة إرهابية مقيتة تحولت إلى دولة في الشرق الأوسط تمتلك أموالا وجيشاً؟ الواقع أنه منذ عملية ذبح جيمس فولي النكراء، انكب المسؤولون الأميركيون على مناقشة ما إن كان من الممكن احتواء «داعش» أم أنه يجب دفعها وحملها على التراجع على المدى القريب. هذا فيما يبدو أوباما مقتنعاً بنجاعة استراتيجية الاحتواء حتى الآن.
&
غير أني فوجئت بالقوة التي وصف بها مسؤولون حكوميون وعسكريون حاليون وسابقون التهديدات التي تطرحها «داعش» على المصالح الأميركية؛ وهو ما يشير إلى أن ثمة انفصالاً تاماً بين التهديد الملح الذي يصفونه ورد الإدارة عليه. وفي هذا السياق، قال الجنرال مارتن ديمبسي، قائد هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الأسبوع الماضي: «إن الأمر يتعلق بتنظيم لديه رؤية استراتيجية كارثية لابد من هزمها في نهاية المطاف». وقبل ذلك، كان ديمبسي قال لمؤتمر أمني الشهر الماضي إن الجيش الأميركي يعِد خيارات من أجل «احتواء، وتعطيل، وأخيراً هزم داعش». ومن جانبه، وصف وزير الدفاع تشاك هيجل «داعش» بأنها «من أكثر القوات وحشية وهمجية في العالم اليوم».
&
أما السفير الأميركي السابق إلى العراق، ريان كروكر، فقال لي «إن داعش هي عدونا الاستراتيجي. إنها بمثابة (قاعدة) تتناول المنشطات؛ وهي تطرح تهديداً حقيقياً بالنسبة لنا».
&
غير أن «داعش» لن تتوقف عند العراق. فبعد أن سيطرت على ثلث سوريا وثلث العراق المجاور ومحت الحدود بين البلدين، ستحاول توسيع سيطرتها. ويعتقد كروكر أن هدفيها المقبلين سيكونان حليفي الولايات المتحدة: الأردن والسعودية.
&
وفي غضون ذلك، ستستمر «داعش» في استهداف الأقليتين المسيحية والإيزيدية في العراق، والسعي لتعزيز سيطرتها على المناطق السنية في البلاد. لكن التهديد لا ينتهي عند هذا الحد. فقد أوضح زعماء التنظيم أنهم سيركزون على الأهداف الغربية والأميركية حالما يعززون مكاسبهم الميدانية، هذا علماً أن «داعش» تدرِّب في قواعد تابعة لها في سوريا آلاف الأوروبيين والأميركيين الذين قد يعودون إلى بلدانهم ويعيثون فيها فساداً.
&
وعليه، فإن استراتيجية الاحتواء جد سلبية حتى توقف تقدم دولة جهادية لديها مثل هذه الأهداف العدوانية. ولابد، بالتالي، من العمل على وقف مخططات زعمائها ومقاتليها بسرعة.
&
وحتى الآن، يراهن أوباما على أن العراقيين سيستطيعون احتواء «داعش» مع مرور الوقت، بمساعدة محدودة من الأميركيين. وهو الآن ينتظر تشكيل حكومة عراقية جديدة يُؤمل أن تكون مستوعِبة للسنة، حتى يقلص هؤلاء دعمهم لـ«داعش». كما يراهن على إمكانية إعادة إحياء قوات الأمن العراقية المنهارة.
&
ووفق أفضل السيناريوهات، سيتسنى وقف «داعش» على أيدي قوات عراقية أعيد تنظيمها -إلى جانب مقاتلي البشمركة والقبائل السنية التي تنقلب على «داعش»– بمساعدة من الضربات الجوية الأميركية. هذا هو المؤمل، لكن السياسات الأميركية لا يمكن بناؤها على الآمال والتمنيات. وأي استراتيجية لوقف «داعش» على المدى القريب يجب أن تركز على كل من العراق وسوريا، ودول المنطقة.
&
على الجبهة العراقية، لا يمكن لأوباما الانتظار إلى حين تشكيل حكومة في بغداد؛ إذ يجب على الولايات المتحدة الشروع في تزويد الأكراد بالسلاح مباشرة حتى يضاهوا الترسانة الأميركية التي حصلت عليها «داعش» عندما سيطرت على قواعد الجيش العراقي. كما يجب عليها مساعدة القبائل السنية التي كانت لديها الشجاعة للوقوف في وجه «داعش»؛ علماً بأن العشائر التي قامت بذلك خلال الأسابيع الأخيرة تتعرض للقتل حالياً. ولذلك، فهي تحتاج دعماً جوياً وأسلحة. ويشار هنا إلى أن مدينة الرمادي بمحافظة الأنبار باتت على شفا السقوط تحت سيطرة «داعش»، وهو ما سيمنح التنظيم سيطرة على معظم المناطق السنية في العراق.
&
وأخيراً، على أوباما أن يعالج صميم المسألة: الحاجة إلى ضرب قوات «داعش» في ملاذها الآمن في سوريا. وفي هذا الصدد، قال الجنرال ديمبسي صراحة هذا الأسبوع إن «داعش» لا يمكن هزمها «بدون معالجة ذلك الجزء من التنظيم الموجود في سوريا». ففي الوقت الراهن، تستطيع «القاعدة» إعادة تنظيم صفوفها بأمان في سوريا بعد أي ضربات جوية أميركية في العراق. غير أنه حتى الآن، لم تُبدِ الإدارة الأميركية أي اهتمام بمهاجمة «داعش» داخل سوريا. وإذا كان متحدث باسم الإدارة أعلن يوم الجمعة أن تلك السياسة تخضع لإعادة تقييم حالياً، فإنه لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على أن أوباما قد غيّر موقفه.
&
وإذا كانت لدى الإدارة استراتيجية لتعطيل «داعش»، فإنها لا تستطيع تحاشي التعاطي مع المسألة السورية، خاصة أن تردد أوباما السابق في انتهاك سيادة سوريا لم يعد الآن في محله، نظراً لأننا بتنا نعلم أن قوات خاصة أميركية نفذت هجوماً داخل سوريا في محاولة لإنقاذ فولي.
&
ويتعين على أوباما أن ينسق مع بلدان عربية أخرى تشعر بتهديد «داعش» مثل الدول الخليجية والأردن. ولاشك أن إظهار الولايات المتحدة للشجاعة والتصميم سيساعد على دفع هذه البلدان إلى تقديم الأموال اللازمة لمساعدة اللاجئين العراقيين والسوريين ومنع سقوطهم فريسة عمليات التجنيد التي تقوم بها «داعش». ثم إن مثل هذه الزعامة الأميركية قد تدفع إيران وروسيا إلى البحث عن بديل للأسد.
&
بيد أن لا شيء من ذلك سيحدث إلا إذا أخذ أوباما خطر التهديد على محمل الجد واقتنع بالحاجة إلى وقفه قبل أن يزداد قوة. وفي هذا الإطار، يقول كروكر محذراً: «إننا نصيب داعش بخدوش فقط وهي تستطيع التخطيط للمكان الذي ستضرب منه خلال المرحلة المقبلة. لذلك، علينا ملاحقتها حيثما ذهبت».
&
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»