أحمد جميل عزم
&
لا يخلو النص الذي نشر للاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي بشأن حرب غزة، من نقاط تثير تساؤلات؛ وإما أنها ناتجة عن استعجال وموافقة تحت ضغط اللحظة، أو تعبر عن تصورات جديدة لحركة "حماس" بشأن الموقف، كما تعبر عن موافقة الرئيس محمود عبّاس على هذه التصورات، أو ربما تردده بشأنها.
&
إذا اعتمدنا النص الذي نشره المركز الفلسطيني للإعلام، التابع لحركة "حماس"، ومصادر أخرى، فإنّ النص، في الجانب العملي منه، يحمل نصوصا من نوع "يتوقع من السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس تسلم المسؤولية عن إدارة حدود غزة من "حماس". والسؤال: لماذا يتضمن اتفاق مع الإسرائيليين، بعد حربٍ معهم، نصاً بشأن العلاقة بين عبّاس و"حماس"؛ أليس الواجب الحديث عن طرف فلسطيني واحد؟!
&
من الغريب القبول بهذا التقسيم للقوى الفلسطينية في متن النص، بالحديث عن السلطة بقيادة محمود عباس صراحة، وتسلمه من "حماس" مهام معينة، فالأصل أنّ الجانب الفلسطيني موحد، وأن يتم الحديث عن حق الفلسطينيين في إدارة الحدود بالمطلق، خصوصاً الآن بعد قيام حكومة الوحدة الوطنية. ويبدو غريباً أن يوافق وفد فلسطيني موحد على أن يتضمن الاتفاق تقسيمهم لفصائل "حماس" و"سلطة". هذا فضلا عن أنّ هذا موضوع طرح سابقاً؛ فالأصل أن يرتب الاتفاق ما يتوقعه الفلسطينيون من الإسرائيليين والعكس، لا ما تتوقعه الرئاسة الفلسطينية من "حماس"، أو العكس. والسؤال الآن: هل سيرتب الفلسطينيون بيتهم الداخلي سريعاً لترجمة الاتفاق، بما أنّه أصبح الأمر استلام طرف فلسطيني مهمة من طرف فلسطيني آخر؟ ولنتذكر أن إعادة الإعمار التي يضعها الاتفاق بيد السلطة الفلسطينية "تتولى السلطة الفلسطينية قيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار في غزة مع المانحين الدوليين"، هو نص قديم عمليا، كان ينتظر وحدة فلسطينية داخلية لا اتفاقا مع الإسرائيليين، ولكن ربما يعني هذا إنهاء أي معارضة إسرائيلية رسمية.
&
والسؤال: هل هذا خطأ في الاتفاق، بتحويل شأن فلسطيني-فلسطيني إلى شأن تفاوضي مع الإسرائيليين؟ وهل هناك تصور فلسطيني داخلي لإدارة وترتيب هذه الملفات سريعاً، لتترجم البنود المتفق عمليا على الأرض؟ وهل المقصود فعلا إنهاء أي معارضة إسرائيلية لها، أم سيتجمد تطبيق الاتفاقيات لحين التوصل إلى اتفاق فلسطيني-فلسطيني، أم أنّ هذا أمر سيتم التوصل إليه سريعاً؟ وهل هذا في إطار تصور للعلاقة بين سلاح "حماس" في غزة مع السلطة الفلسطينية التي ستدير الحدود، وفي إطار تقاسم وظيفي؟ وهل تم التفاهم بشأن هذا التصور، أم ما يزال ينتظر التفاهم؟
&
في نقطة قد تكون أقل أهميّة، جاء في الاتفاق: "تريد "حماس" من "إسرائيل" الإفراج عن مئات الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الضفة الغربية عقب خطف وقتل ثلاثة شبان "إسرائيليين" في حزيران (يونيو)، وهو عمل قاد إلى الحرب". هذا النص فيه اعتراف ضمني بخطف المستوطنين (يسميهم الاتفاق شبّانا)، وهو ما قد يعني إقراراً بأنّ هذا سبب الحرب. ومن غير الواضح لماذا هذا الحرص على القول إن الخطف أدى إلى الحرب! ولكن حتى هذا النص يدين الإسرائيليين بشكل ما، لأنّه يقول إنّه تم الذهاب إلى غزة بسبب حدث بعيد، وليس بسبب الصورايخ، وإن كانت خطورة النص أنّها تربط بين عمليات مختلفة وإمكانية العقوبة الجماعية.
&
تم تأجيل التفاوض بشأن الأسرى، والميناء، والمطار، إلى مفاوضات لاحقة؛ وهو ما يعني عمليا عدم التوصل إلى اتفاق بشأنها، ويعني الموافقة على أن الحديث فيما يتعلق بها لن يتم أثناء المواجهة، وهو ما يريده الإسرائيليون. وفي موضوع الأسرى، فإنّ الورقة الموجودة بيد المقاومة هي أشلاء الجنود الإسرائيليين.
&
رغم كل الملاحظات، ما يزال ممكناً العمل لتحويل الاتفاق إلى منجز وانتصار، وذلك بسرعة ترتيب الشأن الفلسطيني الداخلي، وتطبيق الاتفاق، بحيث نرى فعلا قوات فلسطينية، وأفرادا فلسطينيين على الحدود، يعبّرون عن كيانية فلسطينية موحدة، ليست فصائلية، وفيها ترتيب للعلاقة بين "السلطة" وقواتها والمقاومة وسلاحها، ومع الدول العربية وأهمها مصر.
&
يبدو أن الاتفاق ينقل الكرة للملعب الفلسطيني الداخلي، وللعلاقة مع مصر، إلى حد كبير.