سامي الماجد

جرائم «داعش» واستخفافها بالدماء تذكرنا بفضائح جنود الجيش الأميركي في سجن «أبو غريب»، ومجازر طائراتها التي أزهقت فيها عشرات النفوس البريئة من أطفال ونساء ومدنيين، قُتلوا بدم بارد في حفلات أعراس، تكررت مراراً، بعضها في أفغانستان، وبعضها الآخر في اليمن، كانت ذريعة استحلال دمائهم هو الاشتباه بأنهم من «القاعدة»، ودُمرت قرى باليمن بطائراتهم، فيها نساء وأطفال، بحجة أن بينهم قاعديون مندسون، وقبل ذلك حوصر العراق اقتصادياً، ومات بسبب الحصار قرابة مليون طفل، والحديث عن الفضائح المخزية للجيش الأميركي في العراق يطول، وهل ننسى حالات الاغتصاب التي ارتكبها بعض جنودهم، موثقة باعترافات مرتكبيها، وفي هذا السياق كتب Gary Leech مقالة بعنوان: «ذبح جيمس فولي... ألسنا متوحشون أيضاً؟»، والكاتب: صحافي مستقل، محاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة كيب بريتون في كندا، مؤلف للعديد من الكتب، منها: يوميات صحافي الحرب على المخدرات في كولومبيا (2009)؛ والتدخلات من أجل النفط الخام: (2006).

&

أورد في مقالته إحصاءات لمراكز غربية بريطانية وأميركية تشكف مدى الوحشية والاستهتار الغربي بنفوس الأبرياء والمدنيين في البلاد الإسلامية، إذ تشير دراسات عدة إلى أنه قُتل أكثر من 1000 من المدنيين الأفغان على يد الجيش الأميركي في الأشهر الستة الأولى من عملية الحرية الدائمة، ووفقاً لمكتب الصحافة الاستقصائية، ومقره المملكة المتحدة، فإن حوالى 2400 شخص قُتلوا في غارات أميركية من دون طيار في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن خلال السنوات الخمس الأولى من رئاسة باراك أوباما. وتزعم الدراسة أن ما يصل إلى 951 من هذه الوفيات من المدنيين وأن حوالى 200 من الضحايا كانوا من الأطفال.

&

هذه الأرقام يتم تعزيزها من خلال دراسة أخرى أجرتها كلية كولومبيا للقانون تفيد أن حوالى 600 شخص قُتلوا في عام 2011 بغارات أميركية باستخدام طائرات من دون طيار في باكستان، منهم 155 مدنياً، أزهقت أرواحهم بدم بارد.

&

التقريران يشيران إلى أن ما بين 30 و 40 في المئة من القتلى في العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان وباكستان هم من المدنيين. هذه النسبة تتوافق مع تلك التي أعلنتها دراسة يترأسها خبير الصحة العامة إيمي هاجوبيان من جامعة واشنطن.

&

إن هذا التذكير بالوحشية الغربية واستخفافها بدماء أبريائنا المسلمين لم أسُقْه لتهوين جرائم «داعش»، ولا لتسويغها؛ ولكنه من أجل تقرير ما يحاول بعضنا تناسيه عمداً، إما جُبناً، أو لهوى وتصفية حسابات، وهو أن الوحشية والعنف والتطرف والإرهاب والهمجية، والسادية، ليس لها دين يحتكرها، ولا مذهب خاص تصطبغ به، فيُعرف بها، وتُعرف به، ولكن بعض مثقفينا يتعامون عمداً عن تقرير هذا، ويجبنون عن إدانة فضائح الوحشية الغربية لمصالح شخصية أو لهوًى يجعلهم لا يرون الجذع في عين من يهوون منهجهم، ثم تعلو أصواتهم صراخاً لإدانة وحشية «داعش» وغيرها، ليس غيرةً على أبرياء عذبهم التنظيم أو قتلتهم، فبعض القتلى من خصومهم الإسلاميين أصلاً، كما أن مثلهم كثير قتلتهم طائرات أميركية وجنود أميركان، فلم تتحرك في قلوبهم غيرةً وإنسانيةً، وإنما علت أصواتهم صراخاً بالتنديد بجرائم «داعش» تذرعاً لتصفية حسابات مع مناهج إسلامية وخصوم إسلاميين.

&

ومع ذلك أدركُ أن ما يفعله «داعش» أخطر وأثقل على نفوسنا من وجه آخر، وهو أن جرائمها محسوبة على أهل الإسلام، وتشوه صورة الدين وذروة سنامه (الجهاد)، وتنفّر الآخرين، وتبث الفرقة والفتنة بين صفوف الشباب، وهل أشد على المسلم أن يُقتل أخوه المسلم بيدٍ محسوبة على الإسلام؟ إن الذي يدين جرائم الغرب كما يدين جرائم «داعش» هو أصدق لهجة وغيرةً على الإنسانية، وأكثر تجرداً للحق، وخطابه أكثر اتساقاً وتناغماً، وأبعد عن البراجماتية والانتهازية الرخيصة.
&