سعود الريس

اثنان لا يختلفان كثيراً بعضهما عن بعض.. المغنية أحلام والسياسة القطرية، الفرق بينهما فقط أن أحلام سلوكها الاستعراضي المرفوض فردي، بينما السياسة القطرية سلوكها جماعي.
الآن أثق أنني لو عدَّدت أوجه التشابه بينهما لما اختلفا كثيراً، لكن ذلك ليس بالموضوع الأهم، فيخلق من الشبه 40 مثلما قيل، لكن الأهم اليوم هو قراءة إلى أين تتجه الأزمة القطرية ـ الخليجية؟ ولماذا تتستر الولايات المتحدة على السلوك القطري وتدعمه؟
من تتبع سياق الأزمة يتبين أن السلوك القطري لم يختلف كثيراً منذ سحْب سفراء الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين)، بل على العكس ظاهرياً، ارتفعت وتيرة التحدي من خلال الإعلام القطري، وسعيه الدؤوب إلى جعل القضية ذات مسارين: الأول سعوديا،ً بعقلية إننا نُرضي السعودية، ومن ثم سترضى الدولتان الأخريان. الثاني كان بطبيعة الحال يتعلق بالإمارات والبحرين، من الواضح أن الرهان كان بهذه الصورة، وبالفعل عملت قطر على هذا الأساس وحتى اليوم، فالقضية لا تزال قائمة، لكن أسلوب التعاطي معها هدأت وتيرته، مقارنةً بالسابق.
من الواضح أن قطر راهنت كثيراً على هذا الاتجاه، فسعت إلى تقارب مع السعودية، وقد تكون قدمت بعض التنازلات لإبقاء الباب موارباً لخط عودة، لكنها في المقابل تبدو أكثر استعداداً للمواجهة مع الإمارات، ويتضح ذلك من خلال افتعال الأزمات والتهويل من كل ما يتعلق بها (أي الإمارات) من تحركات أو سياسات، ولعل آخرها الاتهامات التي وجهتها الولايات المتحدة إلى الإمارات بشن غارات جوية مع مصر على فصائل إسلامية مسلحة في ليبيا، ورأينا الإعلام القطري يتلقَّف تلك الأخبار التي نفتها واشنطن في مابعدُ على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي التي قالت: «التعليق بشأن ليبيا كان يُقصَد به الإشارة إلى دول أفادت تقارير بأنها شاركت وليس الحديث عنها»، لكن الإعلام القطري الموجه لا يزال يعزف على وترها. السؤال الذي تنبغي الإجابة عنه هنا، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة المشاركة الإماراتية في الغارات المزعومة ،هو: لماذا الولايات المتحدة تعلن ذلك بينما تتستر على الدعم القطري لأكثر الفصائل الإسلامية المتشددة في ليبيا من بين 2000 فصيل مسلح بحسب التقارير؟
سؤال قد يجيبنا عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري أو المدير العام للقوة المتعددة الجنسيات والمبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ديفيد ساترفيلد، فإدارتهما سعت خلال الفترة الأخيرة إلى الإيحاء بأن السعودية ومصر والإمارات تدعم المليشيات العلمانية، فيما يغضون النظر عما قاله مسؤولون في واشنطن منذ عام 2011، ونقلته «غارديان» البريطانية أن «قطر لا تحترم (الاتفاقات)، وهناك شعور بأنها تتجاوز سيادة البلاد»، وهناك شعور بأن قطر تقدم المال والدعم لأشخاص بعينهم».
طبعاً ذلك الحديث كان يتناول الوضع الليبي في ذروته، لكن ماذا عن اليوم ودعم الجماعات الإسلامية الأشد تطرفاً مثل «داعش»؟
قال وزير المساعدة الإنمائية في ألمانيا غيرد مولر الذي ينتمي إلى المحافظين بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل قبل أيام: «إن وضعاً كهذا (تطور «داعش» وقوته) يأتي بعد مسار طويل»، متسائلاً: «من الذي يمول هذه القوى؟ إنني أفكر في دولة قطر».
أمام جميع هذه الاتهامات والسياسات التي تنتهجها قطر، لا بد من أن يبقى السؤال الذي لم يُعثَر له على جواب حتى الآن: ما المصلحة القطرية من إثارة هذه الزوبعة؟ وهل يستحق ما تهدف إليه أياً كان، والذي بات واضحاً أنه خضوع للرغبة الأميركية بدعم الإسلاميين وخلط أوراق المنطقة، أن تستعدي جيرانها وأشقاءها؟ شخصياً لا أجد أي مبرر لمثل ذلك، فبالنسبة إلى الخلاف مع الدول الخليجية سبق أن قلنا مراراً وتكراراً إن المسألة ليست «حب خشوم»، فهناك خلاف حقيقي لا يزال يتمدد ويتوغل، ومع كل يوم تزداد هوته، فالقضية ليست بين أنظمة تحكم دولاً أو دويلات، بل هناك ما هو أهم، مثل الأمن القومي، والعلاقة بين الشعوب، وهذه الأخيرة لن تكتفي بقرار أو مراجعات لترميمها، بل تحتاج إلى وقت طويل لتعود لنقائها.
الخلاف الخليجي لا يخفى على أحد، فهو إستراتيجي، لا يقتصر على التفاصيل، ومن ثم فالسعودية -وإن تقبلت التنازلات القطرية- لا يمكن أن تسمح بوضع مسارين وعزل شقيقاتها، فالقضية ليست شخصية مثلما يتوهم بعض الساسة في قطر، بل أكبر من ذلك بكثير، فالتدخل في الشؤون الداخلية، والتجنيس، ودعم الجماعات المعارضة من جهة، والتقارب مع إيران، ومعاداة مصر، وتخطي سياسات مجلس التعاون من الجهة الأخرى، جميعها في النهاية تتكتل لتتحول إلى قضية يفوق حجمها قطر بكثير. وهذا ما ستثبته الأيام.