مشاري الذايدي

يقول بعضهم، بتجاهل أو بجهل، إن نقد الإسلاميين والإسلام السياسي هو مجرد موضة وموجة عابرة.
من هؤلاء من يقول هذا بسبب عجزه عن فهم هذه «الموضة» التي خربت بلدان العالم العربي والإسلامي، ونثرت الدماء على جدران المدن، وهجّرت الأقليات، وحزّت الرؤوس، وهو غير قادر على استبطان مرجعيات هذه الجماعات، وأسس خطابها الحاكم، وآليات تحركها، وجداول أولوياتها.


يعجزه هضم كل هذا فيحاول الاستخفاف به، وهو من تعود على ثقافة التحليل القومية أو اليسارية طيلة عقود.


ومن هؤلاء القائلين بأن نقد الإسلاميين وشرح هذا العالم الجديد الذي يحتله الإسلاميون، بكل نسخهم، مَن هو مِن أذكياء الإسلاميين، ويقول هذا للتشويش وإثارة الغبار، وصرف العيون الفاحصة عن النظر إليهم وإلى مشاريعهم الخفية، فيشغبون بأكذوبة الموضة هذه، ومن خلف هذا يطعنون في نزاهة من ينقد الإسلاميين وأنه عميل لدى هذه الحكومة أو تلك، أو للغرب وأميركا، وكأن إخوان بديع والشاطر والغنوشي والقرضاوي ويوسف ندا وإردوغان وغيرهم لا علاقة لهم، في الماضي أو الحاضر، بالحكم والحكومات والغرب والأميركان!


ومن هؤلاء الغاضبين من نقد الإسلاميين أو المشككين به من يجبن عن هذا النقد حتى يثبت أمام «أهله وعشيرته» من محترفي المعارضة السياسية، إما بسبب حماس شبابي يساري عولمي جديد، ساعدت عليه ثورة الاتصالات، أو بسبب هوى معارض قديم، فيرى في الإسلاميين ثورا حديدي القرنين يطعن به سلطة الدولة التي يكرهها، إما لأسباب إقليمية أو آيديولوجية، وهو فاقد للقاعدة الاجتماعية، فيستعير قاعدة الإسلاميين لإضعاف الدولة، ومن ثم يكون هو المستفيد من الفراغ، إن حصل، في حال أفلح الإسلاميون في إزاحة هذه السلطة التي يكرهها.. طبعا هي أضغاث أحلام، بل قل كوابيس هرائية، وما جرى في ثورة الخميني بإيران من قبل، ويجري حاليا في ليبيا، وكاد يجري في مصر، دليل ساطع على غثائية هذه النظرة، لكن شيوخ القوميين واليساريين ما زالوا في غيهم يعمهون، وعلى غارب ثور الإسلاميين يركبون.


بكلمة واحدة، فهم عقل وأهواء جماعات الإسلام السياسي شرط ضروري لأي صانع قرار، وليس موضة، ورغم كثرة الحكي عن الإسلام السياسي في الإعلام العربي، والغربي، فإنك لا تجد، غير قليل، ما يشفي الغليل.
الكل يتحدث عن الإسلام السياسي - لا لوم فهو المهيمن على كل المشهد - لكن من قال إنه حديث كله مفيد؟


في مارس (آذار) 2012، توقع أمين معلوف الروائي اللبناني - الفرنسي الفرنكفوني، أثناء تكريمه في الإمارات، أننا مقبلون لعقود من الزمن على عصر من حروب «الهويات القاتلة». منتصف 2008، قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إن القرن المنصرم هو قرن السياسة، والقرن الحالي هو قرن الأديان.


نحن بحاجة للمزيد من الفهم العميق والدقيق لكل ما له صلة بالإسلام السياسي، وألا نقع في فخ المهونين من هذا السعي للفهم، تجاهلا أو جهلا، فهذا فخ لا نجاة منه لو زلت فيه القدم.