حسن المصطفى

مساء الثلاثاء المنصرم، أعلنت الداخلية السعودية، عن إلقائها القبض على خلية من ثمانية أفراد، يقومون بالتحريض على السفر للقتال مع الجماعات المتطرفة في الخارج، وتحديداً مع "داعش" في سورية والعراق.

الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام، قد يمر على البعض مرور الكرام، خصوصاً أن عدد أفراد المجموعة ليس كبيراً، ما قد يدفع للقول إن هؤلاء لا يشكلون خطراً على المجتمع، وإنما هم فئة محدودة قوة ونفوذاً. إلا أن ما غفل عنه أصحاب هذا الخطاب التبريري، أن المحرضين الثمانية، ما هم إلا نموذج مصغر لمئات، إن لم نقل لآلاف من السعوديين الذين يتبنون الفكر "المتطرف" ويؤمنون به، والبعض يصرح به جهاراً، فيما البعض الآخر يلوذ بالصمت، خوفاً من الملاحقة القانونية والقضائية له!.

إن إشكالية التطرف في المجتمع، لا تقتصر على الأفراد المقاتلين الذين يحملون السلاح في الخارج، أو حملوه من قبل في الداخل، وإنما في سياق واسع من: خطباء، وأئمة مساجد، وأساتذة جامعة، ومعلمين في المدارس، ورجال أعمال، وأفراد حسبةٍ، يجمعهم فكر يقود بشكل تلقائي لنسق محدد متشدد، أحادي، لا يمكن أن يتجاور مع الأنساق المجتمعية الأخرى، بل هو رافض لها تماماً، وهنا تكمن المعضلة التي يحاول الكثير الهروب منها، وهي معضلة ثقافية ودينية ومجتمعية في لبنتها الأولى.

إن فكر "داعش" ليس نبتاً من عدم، والشباب السعودي الذي راح يمارس "توحشه" في ساحات فتن وحروب مجاورة، إنما خرج من مدنه ومنازله وهو مهيأ لأن يكون قاتلاً ومجرماً، يهلك الحرث والنسل مع جماعات "النصرة" و"القاعدة" و"داعش"، وإلا لما خرج ممتطياً جناحين من نار ودخان!

حتى من يدعون أنهم ضد فكر "داعش" ويسعون للتنديد بممارساته، نرى كثيراً منهم يواجهون هذا الفكر بفكر لا يختلف عنه كثيراً، بل يشابهه في نبذه ورفضه للآخر والتحريض على كراهيته.

أحد الدعاة، وفي معرض هجائه ل"داعش"، راح يستخدم ألفاظاً "مذهبية" و"طائفية" يحرض فيها ضد شركاء له في الوطن، وضد مواطنين سعوديين، متساوون معه في المواطنة. الواعظ المسكين، يعتقد أنه برميه الداء على "الآخر" أو تجاه "الخارج" سيستطيع بذلك شفاء السقم، وأن يعيد للمجتمع عافيته، فيما هو يعمق الجراح، ويزيدها تقرحاً.

إن خطاب هذا النوع من الدعاة، هو كما يقول الإعلامي تركي الدخيل "خطر وضد المشروع الوطني الذي تقوده السعودية، وضد رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يستقبل بمجلسه أطياف المجتمع بالعمائم والمشالح ومن شتى المذاهب والطوائف". والذي اعتبر في مقاله في الزميلة "عكاظ" أن خطاب التحريض هو خطاب "خاطئ ومسيء ولا يحلل القضايا أو يضعها في مجالها الصحيح".

إننا بحاجة لمراجعة نقدية وشجاعة للخطاب الديني المحلي، الذي وقع في أكثر من فخ أثناء نقده لحركات العنف السياسي والديني. ويمكن في هذا الصدد استذكار ملاحظة د. توفيق السيف، والذي أشار في مقال له بصحيفة "الاقتصادية" إلى أن مواقف عدد من رجال الدين المعارضة لأفعال "داعش" إنما كانت مبنية على أن هذه الأعمال "مسيئة لصورة الإسلام في العالم، وليس بكونها في ذاتها أفعالاً قبيحة مخالفة لقيم الدين والإنسانية". وهذه إشكالية فكرية عميقة، لأن شتان بين موقف مبني على الخوف على "الذات" وسمعتها، وموقف مبني على فلسفة إنسانية عميقة، ترى أن الحرمة للإنسان، أياً كان مذهبه أو دينه أو عرقه. فالأُولى تبريرية لا تخلو من مكر وطهرانية زائفة، فيما الثانية تعلي من شأن القيمة الأخلاقية، وهو ما نحن في أمس الحاجة له.
&