&عمر عدس وصباح كنعان


حادثة مقتل الفتى الأسود مايكل براون على يدي شرطي أبيض في بلدة فرغسن بولاية ميزوري الأمريكية لم تكن حادثة منعزلة، بل هي تعكس استمرار مشكلة التنميط العنصري، على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وخصوصاً تحامل عناصر الشرطة البيض ضد المدنيين الملونين عموماً، والسود منهم خصوصاً . وفي ما يلي مقال حول هذه المسألة كتبته الحقوقية نصرت شودري ونشره موقع "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" . وجاء في المقال:

أثارت مأساة مقتل مايكل براون، بينما كان على وشك بدء دراسته الجامعية، تساؤلات حول كثرة تواتر حوادث مقتل رجال سود على أيدي الشرطة في أمريكا .
وقبل ثلاثة أشهر فقط، أطلق رجل شرطة أبيض النار على الرجل الأسود دونتر هاميلتون (31 سنة) وارداه قتيلاً في وسط مدينة ميلووكي . وحسب قائد شرطة المدينة فإن الشرطي "كان يدافع عن نفسه في وضع عنف" . ولكن شاهدة تعمل نادلة في مقهى "ستاربكس" قدمت صورة مختلفة كلياً، وأفادت الشاهدة أن هاميلتون كان نائماً على رصيف مجاور للمقهى عندما اقترب منه شرطيان، وطرحا عليه أسئلة، ثم تركاه وانصرفا . ولكن بعد نحو ساعة، سمعت صراخاً، فنظرت من نافذة المقهى، وشاهدت شرطياً أبيض آخر يتواجه مع هاميلتون "الذي كان يمسك بهراوة الشرطي ليحمي نفسه" . وعندما عجز الشرطي عن انتزاع الهراوة من هاميلتون، ابتعد عنه مسافة نحو 3 أمتار، ثم سحب مسدساً، ومن دون توجيه أي إنذار شفهي، أطلق عليه رصاصات بوتيرة سريعة، وأرداه قتيلاً، وأفادت الشاهدة أنها لم تر هاميلتون يضرب الشرطي بالهراوة .


وهناك وجه شبه مأساوى بين مقتل هاميلتون ومقتل مايكل براون، الذي أطلق عليه شرطي أبيض ست رصاصات، أصابته اثنتان منها في رأسه .
وبمقتل هاميلتون وبراون، يكون ستة رجال سود قد قتلوا على أيدي الشرطة منذ ابريل/نيسان، في ظروف تشير إلى استخدام غير مبرر للقوة المفرطة، وإلى احتمال أن يكون الدافع تنميطاً عنصرياً . وفي يوليو/تموز قتل اريك غارنر على أيدي رجلي شرطة أمسكا بخناقه من خلف رأسه - وهذا أسلوب محرم - وصدما رأسه بالرصيف خلال محاولة اعتقاله، بزعم أنه كان يبيع سجائر بصورة غير قانونية .
وفي مطلع أغسطس/آب، أطلقت الشرطة النار على جون كراوفورد في بلدة بيفكريك بولاية أوهايو، بينما كان يمسك بمسدس ضغط هوائي ويعاينه داخل متجر .
وبعد أيام فقط من مقتل الفتى مايكل براون، قتلت الشرطة ايزيل فورد على رصيف في لوس انجلوس خلال توقيفه لاستجوابه . وزعمت الشرطة أن عناصرها فتحوا النار بعد نشوب شجار، ولكن والدة فورد قالت في إفادتها أنه كان منبطحاً أرضاً امتثالاً لأوامر رجال الشرطة عندما اطلق أحد هؤلاء ثلاث رصاصات على ظهره .


وفي اليوم التالي، قتل عامل المطبعة دانتي باركر في بلدة فيكتورفيل بولاية كاليفورنيا، بعد أن صعقه جلال شرطة بصورة متكررة بواسطة مسدس صعق خلال محاولة لاعتقاله كمشتبه به في قضية سرقة وقعت في الجوار .
ويبدو أن الشرطة اشتبهت به لأنه كان يركب دراجة هوائية، حيث إن شهود عيان أفادوا أن المشتبه به في حادث السرقة فر على دراجة هوائية .
إن مآسي هؤلاء الأشخاص الستة توضح أمراً بشكل مؤلم: مقتل رجال سود في حوادث تبدأ بتوقيف الشرطة أشخاصاً سوداً لاستنطاقهم ليست نادرة إطلاقاً في أمريكا . وبهذا المعنى، فرغسون هي "كل مدينة" في أمريكا .
وهناك سبب لذلك . إذ إن أكثر من 240 سنة من العبودية و90 سنة من الفصل العرقي في هذا البلد خلفت تركة من العنصرية في سلك حفظ الأمن والنظام العام . وضحايا أعمال القتل والضرب هم عادة أشخاص ملونون - خصوصاً شبان سود - يوصمون بصورة روتينية، ويهانون، ويتعرضون لمضايقات عندما توقفهم الشرطة لاستنطاقهم وتفتيشهم، حتى عندما لا يكونون قد ارتكبوا أي فعل خاطئ .
والارقام تكشف عن الواقع، فقد أكدت دراستان حول توقيف سائقي السيارات في ولاية رود آيلاند وتوقيف المارة في ولاية نيويورك أن الشرطة توقف السود بمعدلات أعلى من البيض . وما يقلق أكثر هو أن دراسة نيويورك استخلصت أن التركيبة العرقية لسكان حي من الاحياء هي العامل الرئيسي الذي يحدد معدلات توقيف أشخاص على أيديو الشرطة، وبكلمات أخرى، رجال شرطة نيويورك يستهدفون السود بسبب عرقهم - وليس لأنهم يعيشون في مكان خطر .
ومعطيات بلدة فرغسن تعكس هذه التباينات . ففي العام الماضي، شكل السود 86% من حالات توقيف أشخاص لاستنطاقهم، و92% من حالات تفتيش أشخاص، و93% من حالات اعتقال أشخاص على أيدي رجال الشرطة في البلدة . وكثر من ذلك، اظهرت إحصاءات مكتب النيابة العامة في ولاية مينروري أن نسبة السود في هذه الحالات تفوق بكثير نسبة البيض مقارنة مع نسب تعداد السود والبيض بين مجموع السكان، والأسوأ من كل ذلك هو أن احتمال قيام الشرطة بتفتيش أشخاص سود يزيد بمعدل الضعف عن احتمال تفتيش أشخاص بيض، إلا أن احتمال العثور على مواد محظورة بحوزة الأشخاص البيض يزيد كثيراً عن احتمال العثور عليها بحوزة الأشخاص السود .
وليس من قبيل المبالغة الاستنتاج بأن التحاملات ذاتها التي تسبب هذه التباينات العرقية هي التي تجعل مقتل رجال سود خلال عمليات الشرطة لتوقيف واستنطاق وتفتيش أشخاص أكثر احتمالاً بكثير مقارنة مع مقتل رجال بيض . وحسب مكتب احصاءات الشؤون القضائية في وزارة العدل الأمريكية، فإن الرجال السود شكلوا 8 .27% فقط من جميع الأشخاص (من مختلف الاعراق) الذين تم توقيفهم خلال الفترة من 2003 إلى ،2009 ومع ذلك، فقد شكلوا 8 .31% من جميع الأشخاص الذين ماتوا خلال عمليات الاعتقال، في حين أن أكثرية هذه الوفيات نجمت عن أعمال قتل عمد .


ولماذا يستمر التحامل العرقي في عمليات حفظ الأمن والنظام على الرغم من انتهاء العبودية وإلغاء قوانين جيم كداو (قوانين الفصل العرقي التي أقرت في أمريكا من 1876 إلى 1965)؟ وفي حين أن التحامل العرقي الصريح "قد يكون" أقل ظهوراً للعيان اليوم (من دون أن يختفي بأى حال)، إلا أن التحاملات العرقية الضمنية تبقى وبالاً علينا جميعاً، بمن في ذلك أولئك المكلفون بالحفاظ على الأمن في شوارعنا، وقد اثبت كم كبير من الابحاث والدراسات الدامغة كيف أن هذه التحاملات اللاشعورية، والتلقائية، والمتجذرة، تترجم إلى ممارسات لها عواقب مدمرة بالنسبة للناس السود .
وبصورة خاصة ومحددة، وثق باحثون بالأدلة التحامل العرقي في حوادث إطلاق النار بأيدي عناصر الشرطة، وفي دراسة استخدمت شريط فيديو اختبارياً، طلب من رجال شرطة أن يتخذوا قرارات شبه فورية بإطلاق النار على أشخاص مسلحين، وعدم إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين . وبينت الدراسة أن احتمال أن يطلق المشاركون في الاختبار النار خطأ على أشخاص سود أكبر من احتمال إطلاقهم النار خطأ على أشخاص بيض .
وكل التحاملات العرقية الصريحة والضمنية تؤدي في الكثير جداً من الحالات إلى مقتل رجال سود خلال المواجهات بين الشرطة والمدنيين . وهي تؤكد ما يعانيه أشخاص سود يومياً من مهانة ومذلة عندما يتم توقيفهم واستنطاقهم وتفتيشهم من قبل الشرطة من دون أن يكونوا قد ارتكبوا أي فعل خاطئ .


إن عناصر الشرطة يقسمون لدى تعيينهم على أن يخدموا ويحموا جميع الناس بالتساوي، وألا يوقفوا أو يضايقوا بشكل غير متناسب أشخاصاً ينتمون إلى جماعات عرقية معينة من السكان . وأنه لمن واجبنا أن نفعل شيئاً، لا أن نكتفي بالتعبير عن شعورنا بالمفاجأة والصدمة خلال صيف قتل فيه ستة رجال سود على أيدي الشرطة في ظروف مريبة جداً . وأهم خطوة أولى هي ضمان الشفافية والمساءلة - خصوصاً عن طريق فرض حظر قانوني شامل على التنميط العنصري . وضمان الشفافية والمساءلة يمنع الأذى، ويحقق الانصاف، ويمهد الطريق أمام مستقبل يجسد وعد العدالة المتساوية للجميع .