حسن عبدالله جوهر

هل انتصرت غزة على العدوان الإسرائيلي الأخير؟ وهل يحق للشعب الفلسطيني أن يحتفل؟ وهل الحرب التي شنتها الدولة الصهيونية نهاية المطاف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ أم أنها مجرد جولة أخرى قد تنفجر في أي لحظة لأسباب ومبررات وظروف المنطقة؟


مفاهيم النصر والهزيمة تبدلّت بشكل كبير في النظريات الحربية الحديثة، ولم تعد القوة العسكرية المعيار الوحيد في حسم المعارك، رغم أهمية هذه القدرة وتأثيرها، ولكنها تظل ضمن حزمة من متطلبات فرض الواقع ورسم معالم الانتصار، والحروب قديماً وحديثاً تتحدد نتائجها عند توقيت نهايتها والمفاوضات التي تلي ذلك لجني ثمارها السياسية.


انطلاقاً من هذه المحددات انتصرت غزة رغم التضحيات الكبيرة ودماء الآلاف من أبنائها والدمار الهائل الذي لحق بهذه البقعة الصغيرة، انتصرت غزة لأنها صدمت ولأنها واجهت العدو ببسالة، وفرضت شروط وقف الحرب بما في ذلك كسر الطوق الخانق عن القطاع المحاصر منذ عقد من الزمان.


انتصرت غزة لأن أسلحتها وصلت إلى العمق الصهيوني وعلى امتداد المناطق المحتلة بالكامل بأسلحة متطورة وأكثر دقة ألقت الرعب في قلب كل يهودي أياً كان موقعه السياسي والجغرافي، وانتصرت غزة لأنها حاربت وحيدة، والموقف العربي لم يكن متخاذلاً بل متآمراً، والدعم الشعبي القومي والإسلامي لم يكن مؤازراً بل متشمتاً ومحرضاً، وعلى الرغم من الهوية الإسلامية للمقاومة المتمثلة في "حماس" فإن "المجاهدين" الإسلاميين كانوا يقاتلون في جبهات أخرى، وعلى الخصوص في الجبهات المتضامنة والداعمة للقضية الفلسطينية وأعداء الصهيونية كسورية ولبنان والعراق، وأدعياء المشيخة الدينية ممن أفتوا بسفك دماء المسلمين وهتك أعراض المسلمات وذبح الأطفال "استشكلوا" فقط الجهاد ضد إسرائيل، وأفتوا لا بارك الله فيهم بخطيئة المقاومين في غزة، بل الأقبح من ذلك حاول بعض مشايخ السوء هؤلاء أن يسرق عنهم طعم الانتصار دونما ذرة من الحياء والإنسانية! لهذا انتصرت غزة ليس على اليهود فحسب إنما على أدعياء الدين من الإرهابيين والمتطرفين أيضاً.


انتصرت غزة لأن زعيم الصهاينة نتنياهو فشل فشلاً ذريعاً في زعمه بأن الحرب كانت من أجل تدمير الأنفاق ونزع سلاح المقاومة، فلا الأنفاق دمرّت ولا السلاح نزع، فهبطت شعبيته بين اليهود من 90% إلى 30% خلال شهرين فقط في إشارة واضحة بأن المستوطنين الصهاينة استسلموا قبل الشعب الغزاوي رغم التأييد الكبير لكيانهم من أقوى دول العالم.


مع هذا النصر السياسي والمعنوي لأهل فلسطين وشعب غزة تحديداً، هل تعي فصائل المقاومة وتحديداً "حماس" دروس الحرب؟ وهل تنتصر بفكرها وعقلها وترجع لمبادئها لتعرف حقيقة الصديق والعدو، ومن الذي وقف معها في كربها الأخير، بعد أن رمت نفسها في أحضان الكثير من المنافقين وحلفاء اليهود من العرب، حتى يكتمل النصر الحقيقي لغزة بكبرياء وعزة، فجولات الحرب لم تنته بعد؟!
&