لبنان اليوم متأخّر بنيوياً عن جمهورية فلورنسا 400 سنة

&

&

&

&

&

&

&

&


مروان اسكندر
&

&

صدر حديثاً كتاب وضعه Ted Gorton وهو اختصاصي في التاريخ العربي، دارساً واستاذاً، عن الأمير فخر الدين المعني، وعنون كتابه بوصفه فخر الدين بأنه أمير النهضة والقائد الدرزي الذي سافر الى شمال ايطاليا للاحتماء من غضب العثمانيين على ممارساته الاستقلالية والتي كانت تهدف الى التخلص من النير العثماني.

خلال فترة السفر والاقامة في ايطاليا وبعد العودة الى صيدا وعكا وجبل لبنان ووفاة الامير، سجل فترة احدى عشرة سنة من تاريخ الأمير فخر الدين، مسلم سني من صفد ينتمي الى المذهب الحنفي اسمه الشيخ أحمد بن محمد الخالدي. ومؤلف الكتاب يعتبر تاريخ الخالدي لـ11 سنة من عمر الامير فخر الدين المعني ونشاطه، كنزاً لا يعوض، وهذا الكتاب وضعه الخالدي باللغة العربية.
بالطبع لن نلخص الكتاب بالانكليزية لـGorton بل هدف المقال توضيح رسالة مختصرة يرجو صاحبها ان يكون منها افادة، وقد اقتبسنا من ملاحظات الخالدي خلال اقامة الأمير فخر الدين سواء في ليفورنو، او فلورنسا، معلومات تبين مدى التطور الذي كان متحققاً لسكان منطقة توسكانا في ايطاليا والتي تضم فلورنسا، وبيزا، والبندقية، وليفورنو بالمقارنة مع أوضاعنا اليوم، أي بعد 400 سنة على رحلة الامير فخر الدين التي انطلقت من صيدا في ايلول 1613.
يوضح الخالدي ان دخل الحكام كان يتأتى من فرض ضرائب بمعدل 10 في المئة على القيمة على جميع البضائع المستوردة في كل من البلدان المشار اليها، والتي كان يفترض دخول اسواقها عبر بوابات تقفل ليلاً وحراستها مستمرة ليل نهار، كما ان بيع المحاصيل المنتجة محلياً كان يخضع لرسمين بالقيمة، الرسم الاول يعود الى الحكام والثاني الى المدينة التي تنتج المحاصيل في الاراضي المحيطة بها.
في المقابل، كان الحكام المحليون يؤمنون النظافة في الشوارع، ورصف الطرقات، بحيث تسير العربات دون عوائق، وتسهيل الانتقال.
وفي حال تعريض مصالح مقيمين او حياتهم لأخطار من ممارسات الغير، فرض القانون عقوبات صارمة منها السجن المؤبد لأي مجرم، ولم يكن في الامكان خفض فترات السجن في مقابل غرامات مالية الخ، ولم يكن مسموحاً حمل السلاح إلاّ بترخيص رسمي يدفع صاحبه رسماً للحكام وتسجل أوصاف سلاحه.
خلال الحروب كان يحظر على جنود القوات المنتصرة التصرف بحقوق سكان المدن التي تخسر المعارك وأملاكهم، وكان على كل جندي يريد شراء بيضة أو دجاجة او ما شاكل، ان يدفع ثمنها، وبالتالي وبعد انقضاء فترة تزول خلالها العصبيات، كان سكان البلدان الخاسرة يستعيدون الحياة الطبيعية والازدهار.


قبل 400 سنة كانت المدن الايطالية توفر مجاناً الرعاية الصحية للمقيمين بحيث لا يشعر اي من السكان بأنه لا يستطيع الحصول على الحماية والتطبيب والدواء، وكانت العنايات توفر في مستشفيات أنجزها وجهزها الحكام، ويؤمنها اطباء متعاقدون مع هؤلاء.
وقبل 400 سنة كانوا في شمال ايطاليا يطبعون الكتب باللغة اللاتينية والعربية، ويدرسون علوم الفضاء والبحار، ويسكّون العملة، ويمنعون الاسراف في توفير النقود تفادياً للتضخم المضر.
أين نحن من كل ذلك؟ المحاربون المنتصرون، أكانوا من الجيوش النظامية أم من الحركات الاصولية، هل يعتبرون حق الناس في أرزاقهم، وهم يهددون حياتهم، واين نحن من توفير العناية الصحية لجميع المواطنين، ونسبة الثلث منهم تستفيد من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي قد تتوافر عند الحاجة او بعد انقضائها اذا طال الانتظار. وهل كل مجرم ينال عقابه ولا يمكنه شراء اطلاقه سواء من سبيل المال، أو الضغط الطائفي والمذهبي؟
تسلمت حديثاً دراسة أعدها فريق 14 آذار وتهدف الى اعداد وتنفيذ برنامج لتأمين الرعاية الصحية والاجتماعية لجميع اللبنانيين، ولا شك في ان هذه المبادرة مشكورة، ولا أستطيع تقويم توصياتها قبل مراجعتها بدقة، انما هنالك سؤال يطرح على فريق 14 آذار، والتيار الوطني الحر، وكتلة الرئيس نبيه بري، وحزب الكتائب، والقوات اللبنانية وعلى عشرات المنظمات غير الحكومية التي تنعم بمساعدات دولية، أين هي برامجكم؟
متى نريد اللحاق بالقرن الحادي والعشرين، وجمهورية فلورنسا كانت تسبقنا بالرعاية الصحية والشروط القانونية والالتزامات الحضارية في زمن الحرب قبل 400 سنة وتزيد؟
هل علينا الانتظار عشرات السنين لنشهد بصيص ضوء ينير طريق المستقبل؟


نقارب اليأس من التطور. فعلى سبيل المثال، اقترحنا على وزير الطاقة عام 1996 عندما كنا استعدنا القدرة على انتاج حاجاتنا من الكهرباء، فكرة اعتماد العدادت الالكترونية الكهربائية والتي تسمح بضبط الاستهلاك من بعد، ومن ثم وفي حال التخلف عن الدفع، قطع الكهرباء من بعد. كل ذلك من دون اللجوء الى استخدام المياومين. واليوم بعد 18 سنة على ذلك الاقتراح الذي لقي في حينه ترحيباً لفظياً دونما عمل فعلي لتحقيقه، لا نزال رهينة تصعيد المياومين بقصد اكتساب منافع ليست لهم، وعلى حساب المكلف، والخزينة، وتزايد العجز في مؤسسة الكهرباء الذي ان استمر سيطيح يوماً ما استقرار العملة والاقتصاد. هل نستمر في السماح لفئات طائفية ومذهبية بالتحكم بمستقبل الاقتصاد اللبناني وأهله، لأن الزعيم الفلاني يستسهل زيادة التكاليف على الدولة؟
بعد 400 سنة من التخلف، استفيقوا ايها اللبنانيون.
&