عبد العزيز بن عثمان بن صقر

لم تتأخر دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، بإرسال التهاني لرئيس وزراء العراق الجديد السيد حيدر العبادي، إثر صدور قرار تكليفه، رغم أنه أتى من عباءة حزب الدعوة، ومن المقربين لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، رغم أن التصريحات الصحافية السابقة للعبادي لا تبشر ولا تشير إلى أنه يتبنى آراء مخالفة أو معارضة للمالكي، بل إن العبادي تبنى عبر تصريحات منشورة موقفا غير ودي تجاه دول المجلس عامة، وتجاه السعودية خاصة، ومع ذلك، جاء الموقف السعودي والخليجي المرحب بتسمية العبادي رئيسا للحكومة العراقية الجديدة دليلا على حسن النية، وخطوة للإعلان عن الاستعداد الصادق لفتح صفحة جديدة مع العراق.


نحن ندرك أن الإرث السلبي الثقيل الذي تركه المالكي يتطلب رؤية وجهدا وحكمة مضاعفة من أجل إعادة مسيرة البلاد إلى الاتجاه الصحيح، ودول الخليج لن تتأخر في مد يد العون لإصلاح الخلل الخطير الذي خلفته سنوات حكم المالكي داخل المجتمع العراقي، وعودة علاقات العراق العربية والإقليمية، والمطلوب من العبادي هو إعلان الطلاق من إرث المالكي غير الجيد للعراق في المقام الأول، وإنصاف أهل السنة العراقيين، واعتبارهم شركاء في إدارة شؤون البلاد، وأن حقوقهم ليست هبة أو منّة من أي حاكم شيعي، بل إنها حق يجب صيانته، كما يجب إلغاء القوانين التي جاء بها المحتل الأميركي وأعوانه كأداة لتعزيز الطائفية ونشر الظلم والطغيان الطائفي تحت غطاء استئصال الإرهاب واجتثاث البعث، وغير ذلك من التشريعات غير الموضوعية، وأيضا من الضروري التخلي عن الميليشيات الطائفية كجيش بديل أو موازٍ لقوات الدولة المسلحة، الأمر الذي يُعد وضعا خطيرا لا يمكن تجاوزه أو السكوت عنه، وأيضا على السيد العبادي أن يتفهم أن التبعية لإيران لن تخلق قائدا وطنيا في العراق، ولن تسمح بقيام دولة مستقلة ذات سيادة تكون مقبولة في محيطها العربي والإقليمي والمجتمع الدولي.


ما تتمناه دول المجلس للعراق لا يختلف أو يتعارض مع ما يتمناه جميع الحريصين على مستقبل هذه البلاد ذات التاريخ والحضارة العريقة؛ فلا توجد مطامع أو مصالح ذاتية خاصة تسعى إليها دول الخليج خارج إطار تحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية للشعب العراقي، الذي عانى بما فيه الكفاية خلال العقود الماضية، وهناك حقائق نتمنى أن يدركها القادة الجدد في العراق، منها أن العراق لا يُحكم إلا كما حُكم دوما من قبل حكومة مدنية - علمانية، وأن تجارب الحكم الطائفي السابقة هي التي قادت هذا البلد إلى الصراع الدموي المقيت والتناحر، بل والتقسيم، ونتمنى أن يدرك العبادي أن التمسك بالصيغة الطائفية - الشيعية لحكومته سيقود إلى المآسي نفسها التي أوصلت العراق إلى حالة الفوضى والتشتت والصراع خلال الأعوام الماضية. إن ما يتطلع إليه العراق، وتتمناه كل دول الخليج، هو وجود قائد في بغداد يتغلب على الانتماءات والولاءات الضيقة، ويسمو بتفكيره وأفعاله فوق الانتماءات الحزبية المصلحية والطائفية المدمرة، ويعمل بصدق لإعادة جذور الانتماء الوطني العراقي الذي يتجاوز الطائفة والدين والعرق والقومية، واعتبار ذلك ضرورة ملحّة وأساسية في بلد قائم على فسيفساء التعددية والاختلاف الطائفي والديني والعرقي منذ آلاف السنين.


إن حكومة العبادي مطالبة بمواجهة خطر الجماعات الإرهابية، خاصة تمدد تنظيم «داعش»، ودول الخليج لن تتردد، بل تجد مكانها الطبيعي، في أي تحالف إقليمي أو دولي يهدف لقتال «داعش»، ومنع هذا التنظيم الإرهابي من السيطرة أو التسلط على أي جزء من المنطقة؛ فمحاربة الإرهاب ومقارعة تمدد «داعش» مصلحة إقليمية مشتركة، وواجب تفرضه القوانين والعهود الدولية على جميع أعضاء المجتمع الدولي، ودول الخليج كانت دوما في الصف الأول في محاربة النشاطات الإرهابية، ولن تغير موقفها المبدئي الثابت في وجوب تجنيد جميع الطاقات والإمكانات لمحاربة خطر الإرهاب في العراق وخارجه.


إن دول الخليج، ومن ورائها المجتمع الدولي، تدرك أن مهمة محاربة الإرهاب في العراق، لا يمكن أن تجري أو تحقق أي إنجاز، في ظل سياسة مشابهة لسياسة المالكي؛ فمحاربة الإرهاب لن تنجح بوسائل أمنية فقط، كالقتل والاعتقال وتعقب هذه الجماعات دون الالتفات إلى العوامل التي قادت إلى استفحال ظاهرة الإرهاب في العراق، محاربة الإرهاب لن تجري دون محاربة الطائفية التي جرى تأسيسها وترسيخها تحت مزاعم وادعاءات المظلومية التاريخية ودوافع الانتقام وتجاوز حقوق الأطراف الأخرى، ودون محاربة الفساد المنتشر في مفاصل الدولة العراقية، ودون القضاء على دولة الميليشيات المسلحة، ودون إنهاء حالة التبعية للقوى الخارجية وتسلط مراكز القوى التابعة لها.
إن محاربة الإرهاب بفعالية لن تنجح بمزيد من القتل والاعتقالات العشوائية القائمة على أسس التفرقة الطائفية، بل عبر إنشاء دولة مؤسسات تقوم على مبادئ صيانة واحترام حقوق المواطنة، وتأسيس مؤسسة عسكرية وأمنية غير مسيسة تعمل بدافع الانتماء الوطني، وتسمو فوق الولاءات الطائفية والحزبية الضيقة.


دول الخليج مدفوعة بآمال وتمنيات التغيير في العراق، فتحت قلبها للسيد العبادي، كبادرة حسن النية، كما أنها ترى في التغيير الذي حدث في القيادة العراقية فرصة تاريخية ثمينة، قد تقود إلى تغيير الواقع الأليم القائم في العراق الشقيق.
السعودية ودول الخليج تتمنى صادقة للسيد العبادي التوفيق في مهمته، وتحمل مسؤولياته الجسام، لإنقاذ العراق من محنته الطويلة، وأن يكون ذلك مرفودا برؤية واضحة للقيادة العراقية الجديدة، وأن تدرك هذه القيادة أن الأمن والاستقرار يتحققان بسياسات متوازنة تحفظ لجميع العراقيين حقوقهم وواجباتهم طبقا لمبدأ المواطنة والتعايش السلمي، ووفقا لقاعدة حسن الجوار، وعودة العراق إلى تاريخه وجذوره، وفي سياق دوره العربي والإسلامي.