&هالة مصطفى

انهيار الهدنة الهشة بين اسرائيل وحماس فى غزة لم يفاجئ أحدا. وحتى مع الوصول مؤخرا الى نوع من التهدئة فليس مؤكدا أنها ستطول. فبغض النظر عن الأسباب والتفاصيل التى تسببت فى انهيار الهدنة مرات عديدة كاشتراط حماس إنهاء الحصار على القطاع قبل إبرام أى اتفاق لوقف اطلاق النار أو اصرار اسرائيل على نزع سلاح حماس أولا فان النتيجة واحدة.

وهى استمرار الحرب فى غزة، أو بعبارة أدق ابقاؤها ساحة مفتوحة للمعارك, طالما بقيت الأوضاع على ما هى عليه الاحتلال الاسرائيلى من ناحية وانفراد حماس بالقيام ببعض عمليات المقاومة المسلحة دون تنسيق مسبق مع السلطة الفلسطينية، ثم حديث دائم عن ترتيبات جزئية لوقف اطلاق النار لا يرقى لمستوى التسوية السياسية الشاملة للصراع بل قد يرى كل طرف من طرفى الحرب (اسرائيل وحماس) بأنه من الممكن تغيير ميزان القوة لصالحه، بمعنى أن تُنهى اسرائيل حماس بتدمير بنيتها التحتية أو العكس أى أن تدفع حماس اسرائيل إلى حرب برية أو حرب مدن يمكن أن تحقق فيها نصرا نسبيا، أو على أقل تقدير ترهق العدو و تجره إلى حرب استنزاف طويلة .
ولكن لم تعد هذه الصيغة سوى صورة مصغرة أو مبسطة للصراع، إذ على خلاف الحروب العربية الاسرائيلية التى خاضتها مصر والدول العربية مع اسرائيل من 1948، 1967، حروب الاستنزاف وصولا إلى حرب 1973، والتى كانت كلها حروبا نظامية، أى بين الجيوش العربية من ناحية والجيش الاسرائيلى من ناحية أخرى فان حرب غزة ليست كذلك سواء من حيث طبيعتها أو تكييفها، أو من حيث البيئة الاقليمية التى تجرى فيها .

اذن نحن لسنا بصدد الطبيعة المعتادة أو الاطار الذى كانت تجرى فيه الحروب العربية الاسرائيلية، وحرب غزة مثلها مثل الحروب المصغرة التى كانت تدور على أرض لبنان بين الجيش الاسرائيلى وحزب الله اللبنانى كحركة مقاومة مسلحة شبيهة بحركة حماس والذى كان يقف وراءه كل من ايران وسوريا، التى مازالت تعانى من احتلال جزء من أراضيها فى الجولان .

وفى مثل تلك الحروب فان الأهداف تكون جزئية مثل إلحاق أى طرف بعض الخسائر بالطرف الآخر سعيا لتحقيق بعض المكاسب الوقتية. ولأنها حروب غير متكافئة بحكم التعريف فان الخسائر البشرية والمادية على الطرف الذى لا يمثل «دولة» يكون اكبر هكذا كانت الحرب فى لبنان وفى غزة اليوم. ومن ثم فان أى حلول مهما تعاظمت وتدخلت فيها «وساطات» عربية أو اقليمية أو دولية، لن تكون سوى جزئية ووقتية بل يكون فيها البحث عن مجرد اتفاق لوقف اطلاق النار هدفا فى ذاته، إذ هى لا تغير موازين قوى ولاتُنهى حربا أو تقيم سلاما . هو نوع من الحروب المحدودة و لكنها حروب مفتوحة أيضا .

إن حماس لا تمثل كل القوى الفلسطينية، وهذا متغير ثان مختلف فى حرب غزة مقارنة بالحروب العربية الاسرائيلية السابقة، فإسرائيل تتذرع بأنها تواجه بعملياتها العسكرية أو بحربها على غزة مجرد فصيل من الفصائل الفلسطينية ليس هو الممثل القانونى أو الموحد للشعب الفلسطينى خاصة فى مرحلة ما بعد اتفاقية أوسلو التى وقعت بين منظمة التحرير واسرائيل فى 1993 والتى تعد أول اتفاقية رسمية بين الطرفين الفلسطينى و الاسرائيلى.

وتبع اتفاقية أوسلو كما هو معروف، اتفاقيات و بروتوكولات وترتيبات أمنية أخرى (مثل اتفاق غزة - أريحا وغيره) وكلها تؤكد نفس المعنى، بل تم تعديل بنود الميثاق الوطنى الفلسطينى ــ أى الدستور ليتوافق مع هذا التغيير .

ولكن بوصول حركة حماس إلى الحكم فى غزة (2007) عادت الأمور مرة أخرى إلى المربع رقم واحد فيما يتعلق بملف التسوية السياسية وحدث الانقسام الكبير ليس فقط على مستوى التمثيل السياسى الفلسطينى ووحدته، وإنما أيضا على المستوى الاقليمى بين مؤيدى حماس ومؤيدى السلطة الوطنية الفلسطينية وتعارضت الأجندات بعد تصدر دول الجوار غير العربية (تركيا وايران) المشهد فى الشرق الأوسط وتحديدا فى ملف الصراع العربى الاسرائيلى، بحيث لم يعد عربيا خالصا مثلما كان فى الماضى، بل بات جزءا من صراعات إقليمية أكبر. وفى ظل هذه الصراعات التى اجتاحت المنطقة من العراق إلى سوريا إلى ليبيا واليمن وفى ظل تصاعد دور الحركات المتطرفة المسلحة من القاعدة إلى داعش، وفى ظل تزايد الحروب الطائفية التى تخرج عن نطاق الدول وتتشابك فيها سيناريوهات التقسيم مع المصالح المتضاربة للقوى الاقليمية، بات الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، أو بعبارة أدق حرب حماس مع اسرائيل، صراعا من ضمن هذه الصراعات غابت عنه القواعد التى حكمته لعقود طويلة مضت.

وأصبح أيضا دور أى وسيط من المهام الصعبة إن لم تكن المستحيلة فعلى أى قاعدة أو إطار ستتم الوساطة؟ هل على أساس التسويات السياسية التى تمت من قبل؟ وهنا لابد أن تكون السلطة الفلسطينية هى الممثل الوحيد للفلسطينيين أم تكون هذه الوساطة لمجرد التهدئة ووقف إطلاق النار مع تسهيل المساعدات الانسانية وتحقيق بعض المطالب الجزئية؟ وهذا هو الحال مع حماس الذى تغيب فيه أفق التسوية السياسية الشاملة للصراع .

لا أحد يستطيع أن يلوم مصر ولا دورها، فالمسئول عن قلب المعادلات والأوضاع هو حماس ومن يقف وراءها وعلى هذه الأطراف أن تستكمل خياراتها إلى النهاية إما حرباً أو سلماً.

&