عبدالله جمعة الحاج

بعد تكليف رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، وبعد أن يتمكن من تشكيل طاقمه الوزاري، بدت دول مجلس التعاون الخليجي مقتنعة بأن الحكومة الجديدة ستكون في حاجة ماسة إلى جميع أنواع المساعدات العاجلة، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري المتعلق بمكافحة الإرهاب، فالإمكانات العراقية في مجالات كالطيران والقوات الخاصة ضاربة القادرة على التعامل مع الجماعات الإرهابية وطبيعة القتال ضدها غير متوافرة، لكن طلب مثل تلك المساعدة من دول المجلس وتمريرها من خلال البرلمان العراقي عملية صعبة على من يجلس في كرسي رئاسة الوزراء، فقد ترفضها جميع الفصائل الشيعية الموالية لإيران. دول المجلس حريصة على عودة الهدوء والاستقرار إلى العراق من خلال تشكيل حكومة وطنية قوية وقادرة، تشمل جميع مكونات الطيف العراقي دون إقصاء أو تمييز، وعلى هزيمة الإرهاب ممثلاً في الوقت الراهن في «داعش»، فهذه هي الأهداف الاستراتيجية الأولى لدول المجلس الآن في العلاقات السياسية والدبلوماسية مع العراق.

دول المجلس تعلم جيداً أن الأطراف الشيعية ذات الدور المؤثر لعبت دوراً ذكياً في اللعبة الانتخابية الماضية، وحازت أصواتاً كثيرة فيها أوصلتها إلى عدد كبير من مقاعد البرلمان، وهي الآن تنتظر الحصول على بعض العوائد.

وعبر المشهد السياسي تتفق القيادات العراقية على أنه من الأفضل أن تشارك جميع الفئات في العملية السياسية، لذلك فإن دول المجلس في علاقاتها مع العراق، عليها أن تخلق لنفسها توافقاً مع الأطراف الشيعية كافة بغض النظر عن تقارب أي منها مع إيران، وعما أبدته تلك الأطراف من رغبة في استخدام موارد الدولة العراقية لتقوية مرتكزاتها السياسية الخاصة.

السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي في هذه المرحلة، هو ما إذا كانت الحكومة العراقية الجديدة ستكون واقعة بثقل تحت النفوذ الإيراني؟، فهذا الأمر لو حدث سيؤثر كثيراً دون شك على منظومة العلاقات الخارجية العراقية مع العديد من دول العالم، بما في ذلك دول المجلس، مع توقعنا بأن تقاوم الحكومة الجديدة من خلال رئيس الوزراء بقوة النفوذ الإيراني والتغلغل الحاصل لإيران في مفاصل الدولة والمجتمع، على عكس ما فعلته الحكومة السابقة، بعبارة أخرى يوجد لدول المجلس العديد من المصالح في إبعاد النفوذ الإيراني من العراق، وهي مصالح يجب العمل على تحقيقها بهدوء وروية، لكن بثبات وإصرار أيضاً.

التوجه العراقي منذ تشكيل أول حكومة بعد الغزو يسير عكس اتجاه ما تتوقعه دول المجلس، لكن هذا هو حال التوجهات السياسية المخالفة، فهي لا تحتاج إلى وقت طويل، لكي يتم اكتشاف أن نتائجها حطت في موقع مختلف تماماً عن ما كان يعتقد بأنها ستؤول إليه.

دول المجلس لا يعنيها كثيراً التدخل في شؤون العراق الداخلية، وليس من شأنها أن يصبح العراق واحة للديمقراطية طالما أن حالته الأمنية الشاملة تتحقق، فهذا هو ما تعمل على تحقيقه خلال الأشهر الماضية، خاصة على ضوء توغل «داعش» في أراضيه، والواقع أن دول المجلس لا تريد أن ترى في بغداد حكومة معادية لإيران، بل على العكس من ذلك، هي تريد للعلاقات بين الطرفين أن تكون مستقرة تماماً، لذلك فإن إدارة العلاقات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية والاقتصادية مع الحكومة العراقية الجديدة- خاصة على ضوء تصريحات رئيس الجمهورية الجديد في 16-8-2014- بحكمة وروية تحقق مصالح الأطراف كافة في المنطقة تضع أمام دول المجلس تحديات دبلوماسية يجب التعامل معها ومواجهتها، وبشكل خاص إذا بقيت المسائل بينها وإيران غير محلولة.

وأعتقد بأنه حان الوقت لدول المجلس مجتمعة، وكل منها على حدة، أن تطور لنفسها حواراً أكثر تطبيعاً مع المكونات السياسية العراقية بأطيافها كافة، والتي تبدو بأنها آخذة في أن تصبح مشهداً قائماً بثبات في الأفق السياسي العراقي وغير قابلة للتجاهل.
&