لابد من القضاء على التنظيم الإرهابي

&جو سيستاك

سيناتور «ديمقراطي» سابق عن ولاية بنسلفانيا

&
في عام 2002، كان الطاقم الذي أترأسه على حاملة طائرات ميدانية، منهمكاً في تنفيذ ضربات عسكرية انتقامية ضد أهداف مختارة في أفغانستان. حدث هذا عندما تلقيت أوامر من القيادة العليا بالتوجّه إلى منطقة الخليج العربي لبدء العمليات الهجومية الاستباقية ضد العراق. وفيما كنت مجتمعاً بقائد القوات الجوية، قلت له إننا جاهزون للرحيل. ولكن، عندما سألني عن رأيي في هذه الحرب التي نحن بصددها في العراق، أجبته بأنها «مغامرة مأساوية فاشلة». وأما اليوم، فلو سألني عن المعركة الجوية التي يتم تنفيذها هناك، فإن جوابي سيكون مختلفاً تماماً.

ففي عام 2002، لم تكن قد ظهرت بوادر أو مؤشرات واضحة على وجود تهديد لأمن الولايات المتحدة يمكن أن يأتي من العراق. ولهذا السبب، كانت المهمة غامضة الهدف، ملتبسة النتائج. ومن حيث المبدأ، كان الهدف منها هو تدمير أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي كان يمتلكها صدام حسين. وهذا هو الهدف المعلن والمثير للاستغراب والتساؤل في الوقت نفسه. وعندما فشلنا في العثور على تلك الأسلحة الوهمية أصبح الهدف المعلن من المهمة، ولو بأثر رجعي، هو إحلال الديمقراطية في العراق. وعندما فشلنا أيضاً في تحقيق هذا الهدف الثاني، أصبح الهدف الأخير يتركز على إعادة الاستقرار والهدوء. ونستخلص من هذا أنه ما لم تتوافر استراتيجية واضحة «لإنهاء اللعبة» فلن تتوافر الأساليب اللازمة لقياس سرعة التقدم باتجاه تحقيق الأهداف. ونتيجة لهذا، تعرضت المهمة برمتها للكثير من التغيير وأخذت الهوة التي تفصل بين التكاليف البشرية والمادية لتلك المغامرة والنتائج التي يمكن تحقيقها من خلالها، في الاتساع من دون حساب. وقد تملّكني شعور مماثل عندما تدخلنا في ليبيا أيضاً وتساءلت: كيف ستكون نهاية اللعبة؟ وكيف يمكننا قياس درجة تقدمنا في مهمتنا هناك؟. ويبدو الآن بوضوح أن الفوضى المتواصلة التي تعم ليبيا تدعو إلى التساؤل عما إن كانت قد أخذت في الحسبان قبل التفكير في اتخاذ قرار التدخل.

ولكن.. فيما يتعلق بمعركة العراق هذه المرة، يمكن لمهمتنا أن تكون محدودة وذات مقاييس محددة لمعرفة ما إذا كانت التكاليف أكبر بكثير من الفوائد الأمنية أم لا. وذلك لأن المهمة الأساسية لا ترتبط بعزل الحكومة العراقية الحالية واستبدالها بأخرى، بل إن مهمتنا الأساسية ترتبط بالتصدي للفصائل الإرهابية الراديكالية وخاصة منها تنظيم «داعش» وحرمانها من الحصول على ملاذ آمن في العراق.

وخلافاً للتقارير الاستخباراتية المثيرة للتساؤل حول وجود أسلحة دمار شامل في العراق عام 2003، فإن الدلائل أصبحت واضحة بأن تنظيم «داعش» ذا التمويل الكبير يمكنه أن «يفرّخ» الإرهاب ويصدّره إلى الخارج. والآن هناك فصائل تابعة لـ«القاعدة» تتحرك في المناطق التي احتلها مقاتلو «داعش»، وهنا يكمن الخطر الأكبر. وهناك ثلاثة أهداف مهمة لحماية أمتنا من تنظيم «داعش» في العراق. أولها هو وقف تقدم مقاتليه وإرهابييه، وهي مهمة تنفذها قواتنا الآن عن طريق الغارات الجوية الجراحية المبنية على معلومات استخباراتية وذات التكاليف المحدودة والفوائد الواضحة.

ويتركز الهدف الثاني على تدمير مراكز الإمداد اللوجستي لـ«داعش» في العراق والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، وهي المراكز التي تدعم قدرة الإرهابيين على زيادة أعدادهم وقوتهم وتهيئ لهم مساحات واسعة للحركة والمناورة. وهنا مرة أخرى يمكن للعمل العسكري المحدود من الجوّ بالإضافة إلى تزويد الأكراد والقوات الأمنية العراقية التي تعمل من الأرض بالأسلحة أن يضعف من قدرة مقاتلي «داعش» على العمل.

ويتعلق الهدف الثالث بضرورة «تعقّب الأموال» ووقفها عن التدفق إلى جيوب الإرهابيين وخزائنهم، وهذا أيضاً عمل استخباراتي بامتياز. والشيء الذي يجعل تنظيم «داعش» خطيراً إلى هذا الحدّ هو جيوبه المكتنزة ومانحوه الذين يضخون إليه الأموال. وهذا الهدف الأخير يقتضي مشاركة حلفائنا وأصدقائنا عبر البحار بالإضافة لوكالاتنا الاستخباراتية التي تنشط على المستوى العالمي. ورغم تزايد الأخطار الخارجية الجديدة، فإن ضمان الأمن الوطني في القرن الحادي والعشرين يتطلب من وزارة الخزانة وبقية الوكالات الاستخباراتية الوطنية (وليس فقط القوات العسكرية)، العمل ضمن بيئة عالمية يسودها التعاون الفعال مع الدول الأخرى والمؤسسات البنكية والوكالات الاستخباراتية، من أجل تدمير شبكة التمويل والدعم التي تعمل على ضخ الأموال للتنظيمات الإرهابية.

وأنا أتفهم الآن لماذا تعب بعض الأميركيين من الصراعات الخارجية ويريدون أن يتم التركيز على القضايا الوطنية الداخلية. ولكن، إذا كان البديل عن اهتماماتنا الخارجية هو التقوقع والابتعاد عن العالم، فسيشكل ذلك خطراً أكبر على أمننا الوطني. علينا أن نعيد النظر في استراتيجيتنا للأمن الوطني برمتها. إلا أننا ونحن نفعل ذلك سنواجه بعض الحقائق القاسية. وأولاها تكمن في اختفاء الحدود الفاصلة بين السياسة الخارجية والوطنية. وقد أصبحت تلك الحدود متداخلة إلى حد كبير. وما يحدث في منطقة الشرق الأوسط أو مضائق جنوب شرق آسيا البحرية لابد أن يؤثر على الأحوال في وادي السيليكون (في كاليفورنيا).

وتكمن الحقيقة الثانية في أن عقوداً من انتهاج استراتيجيتنا الأمنية الوطنية تطلبت أن يكون حجم قواتنا العسكرية كافياً للانتصار في حربين كبيرتين في وقت واحد. أما الآن، فإن تحقيق أهداف الأمن الوطني يتطلب قدرة فائقة على استخدام أدوات عسكرية متنوعة بحيث تتفق مع مدى التهديد الذي يتعرض له الوطن.

ولم يعد في وسعنا الاعتماد على الأدوات العسكرية لخوض حربين متزامنتين. ويجب علينا أن نزيد من قدرتنا على استخدام مجموعة أوسع من الأدوات الأمنية. وتتنوع هذه الأدوات بين البنوك وخزائن الأموال والوكالات الأمنية الوطنية، بالإضافة إلى القوات العسكرية المتخصصة في الدفاع المحلي (داخل أميركا).

وسيعتمد دحر تنظيم «داعش» على مدى إدراكنا للأولويات في قيادة العمليات الجوية، وفقاً لجملة الأدوات الأمنية الوطنية التي تضمن لقوة أصغر حجماً العمل في الخفاء، ضد تنظيم «داعش» الإرهابي وتحقيق الانتصار عليه وحرمانه من ملاذ آمن.

سيناتور «ديمقراطي» سابق عن ولاية بنسلفانيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي. تي. انترناشونال»