يوسف الكويليت

سلطة المال تداولها حقوقيون وفلاسفة وساسة، وقد استُعملت في تزييف القيم والأخلاقيات، وبالتجسس والرشاوى واختراق نواميس الحياة إلى آخر تلك الممارسات التي تستعملها الدول والجماعات والشركات والأفراد وغيرها..

أكثر من استعمل سلطة المال كقوة في نفوذها هي القوى الكبرى، وقد لا تبالي أن تستخدم قوى أخرى في تنفيذ مشاريع لها مثل إجبار اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا من قبل أمريكا بأن تقوم بأدوار تناقض استقلال قراراتها ولكنها ملزمة خوفاً من ضغوط تمارسها عليهم سياسياً واقتصادياً..

ما يهم هو دور المال العربي في لعبة السياسة وخاصة زمن الأزمات التي تجري الآن في معظم الدول العربية، وخاصة المال الخليجي المتهم زمن المد القومي والاشتراكي وما بعدهما وتسميته ب «البترو - دولار» وبأن لا سلطة عليه من تلك الدول إلاّ بما تأذن به قوى أخرى، وقد يكون هذا صحيحاً حين تتلاقى السياسات والمصالح ولكنه ليس بهذا التوصيف المتعسف، وإلاّ كيف نفسر تملك السعودية لشركة أرامكو دون عقبات؟ أو موقفها بعد هزيمة 1967م بدعم المجهود الحربي في مصر، وهو ما يناقض رغبات أمريكا والغرب أو دعمها الحكم الجديد فيها رغم ممارسة الضغوط الأمريكية ورفضها، وهذا ينسحب على دول عربية وخليجية أخرى؟

حالياً تسود خلافات خليجية بين بعض الدول وقطر وهم الأعضاء في مجلس التعاون بسبب سياسات خاطئة تجاوزتها قطر في دعم منظمات ودول وهيئات لا تلتقي مع مبادئ وسياسات تلك الدول، وعملية سحب السفراء للمملكة والإمارات والبحرين كان مؤشراً بأن المال القطري تجاوز حدوده بما فيها تهديد أمن هذه الدول، وحتى لا نغرق في الشكليات وجدنا من يصف اتجاهات الحكومة القطرية بأنها تقوم بتنفيذِ ما يخدم المصالح لدول أخرى، لكن ما المفيد لها في وضعها بين أشقائها ومحيطها العربي أن تكون في مواجهة معظم الدول العربية؟

العلاقات لا تزال متوترة بجانب مساع تخدم قطر أولاً وغيرها وقد تعهدت المملكة والكويت وعُمان بمحاولة ردم الهوة باستعمال الوسائل القابلة للتراضي، لكن في حال عدم نجاحها قد يكون البديل مضراً وقاسياً ولأنه لامزايدة على أمن أي دولة، وقطر تدرك أن أي خطوات بقفل الحدود البرية والجوية مع المملكة والإمارات ستجعلها تدفع الكثير سواء بمنع تسيير الرحلات بين مدن هذه الدول أو غلق مجالها الجوي، وهي إنذارات خرج صوتها في أكثر من مناسبة، وبالتالي سيكون من الصعب على قطر فك مثل هذه العزلة وخاصة أن منافذ حدودها لا تتصل مع العالم الخارجي إلاّ من خلال الإمارات والسعودية..

وبعيداً عن المماحكات فإن المال القطري الذي بدأ يتدفق بعيداً عن الأهداف التي تعرض أمن دول أخرى، يحتاج منها شجاعة أدبية بالاعتراف بتلك الأخطاء وتجاوزها إلى ما يجعلها عضواً نافعاً في مجتمعها الخليجي والعربي مستخدمة مواردها بفاعلية أكثر أهمية، وليس المطلوب التعدي على صلاحياتها واستقلال قرارها لأن ذلك لم يحدث في الماضي لكن أن تعود إلى موقعها الطبيعي، هو ما يجعل الكل على وفاق وتعاون مستمرين.
&