محمد بن هويدن
&

&خرجت علينا بعض المصادر الغربية بحديث غريب الأسبوع الماضي، يتحدث عن أن دولة الإمارات شاركت مع مصر في توجيه ضربات عسكرية عبر طائرات حربية إماراتية وطيارين إماراتيين، ضد الجماعات المتشددة في طرابلس، لا سيما تلك المرابطة حول مطار العاصمة. هذا الحديث هو جزء من الحملة السياسية التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكها ويدعمها، للإساءة إلى الإمارات ومصر.

فبالأمس كانوا يقولون إن الإمارات ضد الإسلام ويحاولون وصفها بأنها معادية للإسلاميين، ومن ثم جاؤوا ليقولوا إن الإمارات وراء الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، واليوم يرفعون راية أن الإمارات تستخدم قواتها العسكرية لضرب الإسلاميين في ليبيا. كلام غريب حقاً، ولا يمكن أن يقبله عاقل، وليس هدفه سوى الإساءة لسمعة الإمارات لحاجة في نفوسهم. فكيف يمكن لدولة الإمارات أن تُعرض للخطر سمعتها التي لطالما عُرفت بها، بالتزامها الدائم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى!

إن دولة الإمارات دولة تعرف حجمها وتقدر مكانتها في النظام العربي الإقليمي، ولم تكن في يوم من الأيام تسعى لعرض نفسها على أنها قوة عسكرية فاعلة في شؤون المنطقة. إن النموذج الإماراتي كان دائماً وما زال مرتبطاً بنجاحها التنموي، وليس بقوتها العسكرية، فهي صاحبة مشروع حضاري وليس مشروعاً تدميرياً.

فكيف يمكن للإمارات أن تعرض تلك السمعة وذلك المشروع للخطر في ساحة لا تشكل لها مصلحة وطنية؟ فإن كان كما يقال إن الإمارات تعادي جماعة الإخوان المسلمين، فإن ما يدور في ليبيا من صراع بين الأطراف الموجودة هناك، كفيل بأن يضع حداً لتقدم »الإخوان« في ذلك البلد، فالإمارات يمكن لها أن تدفع بمواجهة الإخوان عبر دعم الأطراف الأخرى المواجهة لهم في ليبيا، كطرف قوات اللواء خليفة حفتر على سبيل المثال، من دون أن تقوم هي ذاتها بعمل عسكري شبيه بما يحاول البعض الترويج له.

فليس من المنطقي على الإطلاق أن توجه الإمارات طائراتها الحربية لضرب عناصر في ليبيا، والساحة الليبية معقدة كل التعقيد.

فالحرب في ليبيا يتصدرها العديد من الميليشيات العسكرية، والأمور هناك مختلطة إلى حد بعيد، فلا يمكن الوقوف مع طرف ضد طرف آخر.

كما أن جماعة الإخوان لا تمثل القوة الأبرز الوحيدة في ليبيا، بل إن هناك العديد من القوى الفاعلة الكفيلة بأن تحقق التوازن في المعادلة السياسية، فما المنطق من وراء أن تقوم الإمارات بتوجيه ضربات عسكرية وفقاً لما يحاول البعض اتهامها به! ولعل تاريخ دولة الإمارات يشهد لها بأنها لم تفعل مثل هذا الأمر في السابق، فكيف لها أن تفعله الآن! فجميع تحركات الإمارات العسكرية كانت في إطار الشرعية الدولية والشرعية العربية، ومن منظور الأمن الجماعي وليس من محض رغبتها الذاتية.

إن دولة الإمارات دولة منفتحة على العالم، ولا يمكن لها أن تُعرض أمنها للخطر من جراء توجيه ضربات عسكرية لمناطق تبعد عنها أكثر من أربعة آلاف كيلومتر. فهي دولة عقلانية توازن الأمور بشكل منطقي، ولا يمكن أن تُعرض نفسها للخطر في مغامرة عسكرية غير مضمونة النتائج.

فإذا كانت مصر والسعودية اللتان تشاركان الإمارات الهواجس ذاتها، لم تقدما على مثل تلك الفعلة، وهما دولتان كبيرتان ومحوريتان، ولديهما القدرة على مثل تلك العمليات، ومصلحتهما في ليبيا أكبر بكثير من مصلحة الإمارات، فما الذي يجعل الإمارات تفعل ذلك؟! مع العلم بأن دولة الإمارات تعلم أنه لا يمكن لأي عمل عسكري سري أن يمر من دون اكتشافه، كما أن الإمارات لا يمكن أن تفعل مثل هذا الأمر دون أن تكون على تعاون مع شركائها من الدول الفاعلة، ولا سيما الولايات المتحدة، ولا يمكن للإمارات أن تقدم على عمل كهذا دون أن يكون هناك غطاء عربي على أقل تقدير، يدعمها ضد الانتقادات التي ستأتيها من جراء ذلك العمل.

فكيف يمكن للإمارات أن تقدم على خطوة كهذه دون غطاء من قبل حلفائها من الدول الفاعلة في النظام الدولي، لا سيما من قبل واشنطن التي قيل بأنها لم تكن على علم بتلك الضربات الجوية، والتي كانت مترددة في تصريحاتها الموجهة ضد الإمارات ومصر، مما يشير بوضوح إلى وجود تخبط أميركي ناتج عن حالة التخبط القائمة في الحالة الليبية.

إن ما يحدث وبكل بساطة، هو حملة مستعرة يقودها البعض لتشويه سمعة الإمارات والزج بها في صراعات تخدم مصالحه. فلا مصلحة للإمارات في عمل كهذا، لا سيما وأن تجربتها في ليبيا مع الحملة الدولية ضد قوات العقيد معمر القذافي لم تكن إيجابية بالكامل، حيث فقدت طائرتين من طائراتها الحربية في إيطاليا، فما الذي يجعلها تعيد الكرة ومن دون غطاء دولي أو دعم لوجيستي قوي من دول قوية في النظام الدولي! ولعل الحقيقة التي لا بد أن لا يتم تهميشها على الإطلاق، هي أن الوضع في ليبيا يُحتم على المجتمع الدولي، لا سيما منظومته العربية ومنظومته الأوروبية، أن تتحركا بأي طريقة كانت لمنع استمرار انزلاق ليبيا إلى مزيد من الهاوية.

فليبيا مصلحة عربية ومصلحة أوروبية لا يمكن التغاضي عنها، حتى لا تقع في أتون سيطرة الجماعات الإرهابية وتدخل دائرة اللا عودة، وهذه مسؤولية جماعية لا يمكن لدولة الإمارات الانفراد بها، فلا مصلحة للإمارات في ليبيا سوى المصلحة التي ينظر إليها الجميع، من أنه لا بد أن لا تستمر حالة الفوضى وسيطرة الإرهاب في ليبيا.
&