أحداث الشرق الأوسط خارج السيطرة وأميركا تتحرك بناءً على تحركات الآخرين!


&كارين دي يونج ودان بالز

&

قلّما ينغمس رئيس دولة في لجّة السياسات الخارجية طوال شهر كامل، عدا في حالة وجود حرب عالمية، لكن هكذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما على مدار أغسطس الماضي. وقد ضربت الطائرات الأميركية أهدافاً في العراق للمرة الأولى منذ سنوات، بينما يناضل دبلوماسيو الولايات المتحدة من أجل تشكيل حكومة جديدة في بغداد. وقطع مسلحو تنظيم «داعش» رأس الصحفي الأميركي في سوريا وبسطوا نفوذهم في مناطق من العراق وسوريا. وتأججت الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة. وفي أفغانستان، تترنح خطط أوباما حول خروج منظم بحلول نهاية العام الجاري على شفا كارثة. وشارفت روسيا على غزو أوكرانيا ولم يجرؤ أوباما على منعها. وانزلقت ليبيا في فوضى عنيفة.

&ومع تتابع الأحداث، تناوب أوباما بين عطلات للعب الجولف والإدلاء بتصريحات صحفية للحديث عن الصراعات. لكن في ظل سلوكه الهادئ ورؤيته المشوشة كرئيس مشغول بين اللعب والعمل، فإنه لم يبد ملائماً لهذه المرحلة.

ثم جاء المؤتمر الصحفي يوم الخميس الماضي، والتعليقات التي لم تعزز سوى الانتقادات ضد الرئيس الذي لم ينخرط بشكل كامل ولم يتخل حقيقة عن المشكلات العالمية. وعند حديثه عن تنظيم «داعش» قال: «ليست لدينا استراتيجية بعد». ويمتاز هذا التصريح بفضيلة الصراحة، بينما يعوّل أوباما على الجيش والركائز الدبلوماسية في الرد الأميركي ويسعى إلى الحصول على دعم من دول أخرى. لكن يكاد يكون من الصعب تصور وجود قرار أو حسم رئاسي في خضم الاضطرابات الدولية.

وستكون أمام أوباما خلال الأسبوع الجاري، فرصة استعراض قيادة عالمية خلال اجتماع قمة مثقلة بالأزمات مع الدول الأوروبية الحليفة. وبعد ذلك مباشرة، سيسافر وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الشرق الأوسط، حيث يأمل شركاؤنا المحتملون تحديد الاتجاه، بينما ينتظرون معرفة ما إذا كان لدى أوباما القدرة على رسم مسار واضح وحاسم.

وبينما تتوجه الإدارة إلى تلك الاجتماعات، أصدر كيري توجيهات تحرك قوية وذكية، إذ كتب في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أول من أمس، قائلا «إن الضربات الجوية وحدها لن تهزم ذلك العدو، ولابد أن يرد العالم بشكل كامل، وعلينا مساندة القوات العراقية والمعارضة السورية المعتدلة التي تقاتل داعش على خطوط الجبهة».

والعالم الذي يواجهه أوباما الآن يختلف بشكل كبير عن ذلك الذي ورثه عندما تقلد مهام منصبه قبل نحو ستة أعوام، وإن كان يمثل اختباراً مماثلاً لقدرة أسلوبه وجوهر قيادته على كسب مؤيدين والظفر على الأعداء.

وخلال السنوات الأولى من رئاسته، كانت أهداف السياسة الخارجية الأساسية تعتمد بصورة أقل بكثير على ردود الأفعال وترتكز بدرجة كبيرة على مبادرته الشخصية وشعوره بأهمية التوقيت.

وبينما أعدَّ أوباما جدولاً زمنياً فعلياً للانسحاب من العراق، فقد وضع سياسات لإنهاء الحرب المتعثرة في أفغانستان. وفيما بدا نموذجاً يتكرر في قضايا أخرى، أجرى الرئيس مداولات على مدار أشهر، ثم أوضح الفرق بين الإعلان الفوري عن إرسال تعزيزات للقوات وتوقيت رحيلهم.

وقد حاول أوباما مشاركة العالم في فترتيه الرئاسيتين، لكنه سرعان ما اكتشف أن كافة الدول لديها أفكارها وخططها الخاصة. وبعيداً عن مساعيه الرامية إلى استعادة العلاقات مع روسيا، حاول فلاديمير بوتين إيجاد ميزان قوة جديد من خلال تحركاته في أوكرانيا. وبينما عرض أوباما بداية جديدة للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، أفضى ما عُرف باسم «الربيع العربي» إلى زعزعة الاستقرار بدلاً من ترسيخ الديمقراطية.

وبعد ستة أعوام يبدو أن مجريات الأحداث خرجت عن سيطرته، وعلى أوباما أن يتصرف بناءً على تحركات الآخرين؛ إذ أثارت تصرفات بوتين في أوكرانيا أكبر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة. وتواصل زحف تنظيم «داعش» نحو السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في الشرق الأوسط، حتى بات يهدد بإحداث اضطرابات عالمية تتجاوز هجمات تنظيم «القاعدة» في عام 2001.

على أوباما الآن أن يستوعب التزاماً جديداً قد يكون طويلاً وغير منظم للقوة العسكرية الأميركية في منطقة تواصل تحدي جهوده الرامية إلى إرساء دعائم الاستقرار. وفي ضوء وعده بعلاقات قائمة على الاحترام بين القوى الكبرى، لابد أن يبرهن على أن أدوات القوة غير العسكرية، والمتمثلة في الدبلوماسية والضغط الاقتصادي، ستجبر روسيا في النهاية على العودة إلى نطاق حدودها.

لقد أشار المؤرخ «ديفيد كينيدي» من جامعة «ستانفورد»، إلى أن أوباما ناضل خلال فترة رئاسته الأولى من أجل وضع رؤية كبيرة ومتكاملة على صعيدي السياسة الداخلية والخارجية، وقارن ذلك بمهارات التواصل والخطابة للمرشح أوباما في عام 2008. وأكد أن أوباما يواجه «مزيجاً من الشرور»، بينما يتعامل مع عالم يكتظ بكثير من المعتدين وشعب أميركي نفد صبره بوضوح من التدخلات العسكرية، مشيراً إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية هناك توقعات بأن الولايات المتحدة، ورئيسها على وجه الخصوص، يمكنهما قيادة الأحداث، وذلك ليس حقيقياً، لاسيما في الوقت الراهن.

ويزعم مستشارو الرئيس أن إدارة أوباما للسياسة الخارجية أتت أكلها، بداية من حمل السوريين على التخلي عن أسلحتهم الكيميائية، مروراً بدفع إيران نحو مائدة المفاوضات بشأن برنامجها النووي، إلى تعزيز الثقة والمصداقية مع الزعماء الآخرين للحصول على مساندة الدول الأوروبية في العقوبات ضد روسيا، وإعادة بناء تحالف عالمي للتعامل مع تهديد «داعش».

ووصف مسؤول بارز «سياسة أوباما تجاه إيران»، بأنها نموذج حيّ للرد المنضبط الذي أفضى في النهاية إلى نتيجة طيبة. لكن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، أعربت عن تشككها في أن المفاوضات الإيرانية ستفضي إلى نتيجة ناجحة، وأكدت بوضوح على أنها تختلف منذ البداية مع قرار أوباما بعدم التدخل بصورة مباشرة لدعم القوات الثورية في سوريا.

وفي هذه الأثناء قضى المسؤولون في الإدارة يوم الجمعة يحاولون محو آثار المؤتمر الصحفي الذي عقده أوباما يوم الخميس. وأصروا على أن تصريحه بأنه «لا توجد استراتيجية» تم تفسيره بشكل خاطئ، وأن ما تم إظهاره على أنه تردد وتأخير هو في الحقيقة دلالة على المراجعة الشاملة والتركيز الحاد على وضع خطة مؤثرة طويلة الأمد. ورفض المسؤولون الأميركيون المفهوم القائل إن الإدارة لا تتحرك، وأكدوا أن أوباما سارع إلى التحرك في العراق بضربات جوية، وقالوا: «إن عمليات الشهر الماضي هناك كانت خطوة أولى ضمن استراتيجية تحرك أوسع نطاقاً ضد داعش». وأشاروا إلى أنهم لن يندفعوا إلى اتخاذ رد فوري على الأحداث الأخيرة في سوريا. وذكر أحد المسؤولين في الإدارة أن الضربات الجوية المحدودة وتشكيل حكومة عراقية شاملة من شأنها تشجيع الدول العربية على العمل سوياً تحت قيادة أميركية. وأضاف: «إن الغضب العارم في دول مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا بسبب وحشية المسلحين والتهديد المتمثل في وجود حاملي جوازات سفر غربية بينهم، سيجعل هذه الدول أكثر رغبة في المشاركة ضمن عمليات عسكرية ضد المسلحين استجابة لأية استراتيجية أميركية محكمة».

يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
&