&ابراهيم حيدر
&

&يستحضر الصراع المذهبي الممتد من العراق وسوريا، والذي يأخذ في لبنان ابعاداً مختلفة، كل الموروث التاريخي بين الطرفين، خصوصاً بين السنة والشيعة، وبينهما مذاهب اقليات تتعرض لشتى أنواع الإضطهاد، على ما ينفذه "داعش" ويقضي من خلاله على تاريخ التعايش في المنطقة. هنا الكلام يتجاوز التربية الى الفكر، ولا يعود النظر الى منع تدريس الكيمياء والعلوم يتصدر الإهتمامات، طالما أن شريعة القتل هي السائدة. ولنتذكر أن تنظيماً مثل "داعش" وغيره من الجبهات المتطرفة، يستند الى فكر لا مكان فيه للآخر، وتربية تقوم على القتل والنفي.
وإذا كان النزاع المسلح بين مشاريع سياسية كبرى يخفي صراعاً مذهبياً، لا سيما بين السنة والشيعة، فإنه يأخذ في لبنان أبعاداً خطيرة، لا سيما بين الشباب في مواقع مختلفة، من الشارع الى المؤسسات، والمدارس والجامعات. ويتعزز دور جمعيات دينية على حساب الدولة ودورها، فتلجأ الى تربيتها الخاصة لتعوض عدم قدرتها على التأثير سياسياً، فيستحضر الخلاف على الدعوة والتفسير والتأويل، وترفع متاريس متقابلة الى حد ما عاد ممكناً جمع شباب المذهبين في مكان واحد. لكن في فكر "داعش" الذي بدأ يعشش في لبنان، باتت طوائف أخرى مهددة، خصوصاً المسيحيين، على ما نشهده من نفي وقتل وسبي في سوريا والعراق. وبمعزل عن الاجندات السياسية المختلفة في صراع المشاريع الكبرى في المنطقة، يستحضر "داعش" كل تاريخ التعصب في قرون خلت، حيث لا مكان للتنوع والإختلاف، وحتى التأويل، على ما يذكر من حالات القتل والنفي للمفكرين، من الطبري الذي قتل، والحلاج الذي صلب والمعري الذي حُبِس والسهروردي الذي مات مقتولاً والجعد بن درهم الذي مات مذبوحا، الى سفك دم ابن حيان، وحرق كتب ابن رشد واضطهاد الفارابي والرازي وابن سيناء وتكفيرهم وأهدار دمهم، الى الإفتاء بتكفير وهدر دم كلّ من يمتهن أنواع العلوم العقليّة الّتي قد تتسبّب في كفر المسلمين وابتعادهم من دينهم الحنيف! الأخطر أن محاولات الفرز والفصل بين الشباب السني والشيعي، مستمرة، وليس استحضار الخلاف، معطوفاً على الصراع الاقليمي والداخلي الا تأكيد لإطالة أمد الصراع، الذي لا يحسمه طرف، بل مزيد من الخسائر والأرواح. وعندما تنبش القبور، تسير الأمور الى مزيد من التعقيد، بحيث لا يعود هناك مكان للشعور الوطني ومناعته والانتساب الى الدولة والمؤسسات. وعلى هدي "داعش" في الممارسة والتربية لم يسلم مكان يجمع بين الشباب السني والشيعي في لبنان، الا وتصدع، فيما الشباب المسيحي، يكتوي هو ايضاً بالنار المشتعلة، حين تخاض المعارك داخل الكيان وخارجه، وبامتدادات مذهبية في غير مكان. هذا الصراع يدخل الى العظام، لكن "داعش" أخذه الى مكان أكثر خطورة، لا تعود معه لقاءات الحوار والصلاة في مكان واحد مجدية. ذلك يطرح مسألة الكيانات ومشكلة الهوية، وتصويبه لبنانياً هو باصطفاف شبابي ضد التطرف والقتل!
&