علي إبراهيم

لا يبدو أن هناك أي منطق في ملابسات لقطات الفيديو المصورة لرجال ميليشيات مسلحة متقاتلة داخل جانب من مجمع سكني تابع للسفارة الأميركية في العاصمة الليبية طرابلس ويقفزون في حمام السباحة وهم فرحون سوى أنها حالة من الفوضى أو رغبة من أفراد هذه الميليشيات في إيصال رسالة سياسية معينة إلى طرف غائب وليس موجودا على الأرض.


فالسفارة الأميركية جرى إخلاؤها قبل فترة مع كل طاقمها مع تصاعد الاشتباكات بين الميليشيات المتنافسة في العاصمة الليبية، والسفيرة تتابع الموقف من على بعد من مالطا، وأفراد هذه الميليشيات الذين يطلقون على أنفسهم صفة ثوار ويروعون الآن سكان العاصمة من الأهالي المدنيين ما كانوا ليكونوا موجودين دون دعم الولايات المتحدة وحلف الناتو لهم في إطاحة العقيد معمر القذافي بعد 4 عقود من طريقة حكم تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الوضع الحالي الذي تنزلق فيه ليبيا بسرعة إلى حالة الدولة الفاشلة، وإذا كانت المشكلة في حمام السباحة فإن ليبيا تملك الإمكانات والثروات لبناء عشرات من حمامات السباحة لكل الشباب!


هناك رسالة سياسية بالتأكيد بصرف النظر عن طرافة الفيديو ومهارة شباب الميليشيا المقتحمة في القفز من شرفة الفيلا إلى حمام السباحة، وهي الرسالة التي جاءت من قبل جماعة «فجر ليبيا» أو ميليشيات مصراتة التي تسعى للسيطرة على العاصمة وقالت إن مسلحيها كانوا يؤمنون مباني السفارة ويحمونها من بقية الميليشيات، وهي رسالة تريد طمأنة واشنطن ومحاولة كسب شرعية من الخارج للحصول على اعتراف بالأمر الواقع والسيطرة السياسية على الأرض.


ولا يبدو أن هناك استراتيجية واضحة أو رؤية دولية لكيفية مساعدة ليبيا ومنع انزلاقها إلى فوضى شاملة، فليس هناك أكثر من قلق أمني أو محاولة احتواء لتظل الفوضى بقدر الإمكان داخلية ولا تخرج إلى الساحل الأوروبي المواجه، بينما تدل الشواهد على حروب بالوكالة تدور على الأرض الليبية وأداتها الرئيسة هذه الميليشيات، ويدفع ثمنها الليبيون العاديون من واقعهم الحالي ومستقبلهم كلما طالت الأزمة التي جعلت البلاد عمليا مقسمة مناطقيا.


الغريب أن ما حدث في ليبيا بعد إطاحة القذافي له قدر من التشابه مع العراق بعد إطاحة صدام حسين في أنه لم تكن هناك خطة لليوم التالي، فقد انصرف الجميع وتركت الساحة للميليشيات تجمع السلاح وتفرض السيطرة على الأرض واستغلت بعض الجماعات ذات الأفكار المتشددة الفراغ السياسي الذي حدث والنتيجة ما نراه من خراب ومعارك في شوارع أكثر من مدينة، ومطارات خارج السيطرة لا تقبل دول استقبال رحلات منها.


كانت هناك طاقة من الأمل فتحت بعد انتخاب البرلمان الحالي الذي يخوض من طبرق معركة لفرض سيطرته مع المجلس الوطني والتيارات الإسلامية التي تحرك عمليا الميليشيات، ولكن في غياب أدوات حكم قوية مثل الشرطة والجيش فقدت السيطرة على الوزارات والمصالح الحكومية في العاصمة، ولم يتمكن الموظفون من دخولها، بينما تفيد تقارير لصحف غربية من طرابلس عن حالة خوف بين الأهالي في بعض الأحياء والذين هم بين نارين؛ إن بقوا فهم يخشون أن يصنفوا على أساس هويتهم القبلية التي قد تربطهم بميليشيات أخرى متنافسة من مناطق أخرى وإن تركوا منازلهم ستتعرض للنهب والاقتحام.


والحقيقة أن الأهالي تصدوا أكثر من مرة لهؤلاء المسلحين في العاصمة الليبية بمظاهرات واحتجاجات، لكن عادة فإن من يملك السلاح يستطيع أن يروع وأن

يفرض إرادته على الآخرين، ولا حل في ليبيا إلا بنزع سلاح هذه الميليشيات وحلها ودعم الشرطة والجيش الرسميين مع إبعاد الشخصيات الموالية للميليشيات التي اخترقت مؤسسات الدولة، والخطوة الأهم هي وقف الرواتب التي تدفع من خزانة الدولة لمقاتلي هذه الميليشيات.