يعقوب أحمد الشراح

من منا لا يعرف أننا نتقاتل من أجل السلطة والقوة والانتقام وليس لإننا ابتلينا بعدو صهيوني اغتصب اراضينا وانتهك حقوقنا وعلينا محاربته أو محاربة حلفائه أو العمل للنيل من الحاكم المستبد وازاحته؟، نكثر الحديث عن «نظرية المؤامرة»، ويعتقد البعض أن مصائبنا تأتي منها مع أن ردود أفعالنا وطبيعة سلوكنا لا تعبر عن هذا الشيء، فليس هنالك طرف شريك أو مسؤول عن الكوارث التي تصيبنا سوى أنفسنا التي تصنع المآسي، وتساهم في الخراب، ونُلقي باللائمة على الآخرين. الدراسات والشواهد تؤكد اننا اكثر الشعوب عنفاً وغلوا في الفكر، وكرهاً للآخرين، ونبذاً للمعتقدات الأخرى، واصراراً على فرض آرائنا على كل من يخالفنا...

شريط المآسي في عالمنا طويل ليس هنا المجال للبحث فيها، ويكفي مشاهدة واقعنا المزري من خلال الدمار والقتل الحاصل في الاقليم العربي والتي تنفذ بأيدٍ عربية وإسلامية، وليس نتيجة لغزو أجنبي يتوقع منه أن ينال منا باستخدامه آلة القتل والدمار. فالذين يحاربوننا، مع الأسف، هم أبناؤنا واخواننا في الدين بعد أن شكلوا منظمات وجبهات قتال واحزابا تستخدم الدين كأداة للقتل والسيطرة.

عشرات الفصائل الاسلامية لها مسمياتها واجنداتها تحارب في العراق وسورية ولبنان واليمن والصومال وافغانستان من دون أن نعرف لماذا يتحارب المسلمون مع بعضهم البعض، ولا يحاربون عدوهم اسرائيل أوحتى حلفاءها مثل أميركا؟ ولا نعرف من اين حصلت هذه الفصائل المختلفة على الدعم المادي والسلاح لكي تقوم بما تقوم به من تدمير، بينما الجيوش العربية المدربة لا تملك كل ما بيد هذه الفصائل؟

أن مشاهداتنا هذه الأيام لصور القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ تعبر عن القسوة وهمجية المجرمين حيث يقومون بالتمثيل بجثث الضحايا وعلى نحو غير ديني ولا انساني ولا حتى اخلاقي، لدرجة ان وكالات الأنباء العالمية التي تبث صور القتلى في العراق وسورية تؤكد ان التمثيل بالجثث يحدث بعد القتل، وانه لا مثيل له حتى في التاريخ النازي الذي يعتبر من اكثر الحقب عنفا ودموية.

ولكثرة الفصائل التي تدعي بانها اسلامية، وبسبب تباين معتقداتها المذهبية والطائفية فإنها تحارب بعضها البعض رغم إدعائها بأنها تحارب أنظمة الحكم في الدول، لكنها تحصد أرواح الأبرياء والمدنيين، ويستمر القتل على الهوية...

الداعشيون يريدون دولة الخلافة الاسلامية في العراق وسورية ولا يمانعون في التوسع الجغرافي كتهديدهم لدول الخليج العربي، والقاعدة مع طالبان في افغانستان حاربوا من أجل دولة الخلافة لكنهم فشلوا رغم نجاحهم في تصدير الآلاف من الشباب ليقاتلوا خارج افغانستان كما هي الحال في العراق وسورية والصومال واليمن، ونتيجة للقتال في مناطق جغرافية مختلفة نصّبت قيادات هذه الجبهات أو التنظيمات أنفسهم كحلفاء للمسلمين في المناطق التي يسيطرون عليها...

ان القتل والدمار باسم الدين نهج اجرامي ينسف الاعتقاد بأن الذين يقومون بذلك هم اسلاميون، فالأدلة تؤكد أن التنظيمات والجبهات الاسلامية التي تقتل وتدمر كل شيء هم في الأساس بعثيون وأصولويون تكفيريون يتعاونون مع مرتزقة وافراد مخابرات دولية تلعب اسرائيل واميركا دوراً أساسياً في مساعدتها وتنفيذ خططها في المنطقة العربية.

فالدراسات عن المنطقة العربية، والتقصي للتاريخ الاسلامي والحركات الدينية المتطرفة تظهر أن التدمير والقتل يستند على فكرة أن العرب قوم عشائريون طائفيون مفسدون لا يتفقون على شيء، فطبيعتهم العراك والاختلاف، وبالتالي ما يحدث لهم في أي وقت انما هو امتداد لتاريخهم المليء بالمآسي والحروب. فكل الثورات القديمة والجديدة ما هي إلا أشكال من العنف والخراب والضياع، وهي كافية بذاتها أن تؤّمن قدرا من الاستقرار للشعوب الاخرى التي تتوجس الخيفة والحذر من تصرفات العرب، اما التركيز الأميركي والأوروبي على ارساء مبادئ الديموقراطية في المنطقة العربية، وان هذا يتطلب التغيير من خلال الثورات العربية والتي تحولت إلى ازمات وكواراث انما هو هدف استراتيجي يبرر التصرفات الأميركية والأوروبية في تخريب المنطقة العربية، وجعلها ضعيفة ومنقسمة كما هو حاصل الآن...
&